الموسوعة الحديثية


-  أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بمَكَّةَ، فَقالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كما أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ بالمُتْعَةِ، يُعَرِّضُ برَجُلٍ، فَنَادَاهُ، فَقالَ: إنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي، لقَدْ كَانَتِ المُتْعَةُ تُفْعَلُ علَى عَهْدِ إمَامِ المُتَّقِينَ، يُرِيدُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ له ابنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بنَفْسِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنَّكَ بأَحْجَارِكَ.
الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1406 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
جاءَ الإسْلامُ مِن أجْلِ المُحافَظةِ على الأعْراضِ؛ إذ إنَّ حِفظَ الأعْراضِ مِنَ الضَّروريَّاتِ الخَمسِ الَّتي جاءتِ الشَّرائعُ جَميعُها مِن أجْلِ المُحافَظةِ علَيها؛ وهي: الدِّينُ والنَّفسُ، والعِرضُ والعَقلُ، والمالُ.
وهذا الحَديثُ يوضِّحُ أنَّ أمرَ زَواجِ المُتعةِ كانَ مَحلَّ خِلافٍ بيْنَ بَعضِ الصَّحابةِ؛ فإنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أيامَ خلافَتِه على الحِجازِ، قامَ بمكَّةَ خَطيبًا، فقالَ: «إنَّ ناسًا أعْمَى اللهُ قُلوبَهُم»، أي: عنِ الحَقِّ «كَما أَعْمى أبْصارَهُم» بعدَمِ القُدْرةِ على الرُّؤيةِ إنَّهم يُفْتُونَ النَّاسَ بجَوازِ زَواجِ المُتعةِ؛ وهيَ عَقدٌ على الاستِمتاعِ بالمَرأةِ مدَّةً مُعيَّنةً مُقابِلَ مَهرٍ مُعيَّنٍ، وكان ابنُ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما بكَلامِه هذا «يُعرِّضُ برجُلٍ» وهوَ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وكانَ قدْ فقَدَ بصَرَهُ آخِرَ عُمرِهِ، فناداهُ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما -وكان حاضرًا للخُطْبةِ- فقالَ: «إنَّكَ لجِلْفٌ جافٍ»، أي: قليلُ الفَهمِ، فظٌّ غَليظُ الطَّبعِ، ثُمَّ قال: «فلَعَمْري، كانتِ المُتعةُ تُفعَلُ على عَهدِ إمامِ المتَّقينَ»، يُريدُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا قسَمٌ مِنهُ على ذلكَ، وكانَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما مُتأوِّلًا لنُصوصِ النَّهيِ، فكانَ يَراهُ ممكِنًا للمُضطَرِّ أو غَيرِ ذلكَ، فقالَ له ابنُ الزُّبَيرِ: «فجرِّبْ بنَفسِكَ، فواللهِ لئنْ فعَلْتَها لَأَرجُمَنَّكَ بأَحجارِكَ»، أي: إنَّ المُتعةَ مُحرَّمةٌ، فإذا فعلْتَها بعد ذَلكَ صِرْتَ زانيًا، فعِقابُكَ الرَّجْمُ بالحِجارةِ حتَّى المَوتِ.
وقد صدَقَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في أنَّها كانتْ تُفعَلُ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنَّ الحقَّ معَ ابنِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما؛ لأنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد ماتَ والنَّهيُ في المُتعةِ آخِرُ الأمرَينِ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عَن زَواجِ المُتعةِ.
وفيهِ: أنَّ للحاكِمِ العالِمِ أن يُراجِعَ العُلماءَ فيما يُفْتُونَ بهِ، ويَختارَ للنَّاسِ ما فيه صالحُ المُجتمَعِ.