الموسوعة الحديثية


- بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتي مَيْمُونَةَ بنْتِ الحَارِثِ، فَقُلتُ لَهَا: إذَا قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأيْقِظِينِي، فَقَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُمْتُ إلى جَنْبِهِ الأيْسَرِ، فأخَذَ بيَدِي فَجَعَلَنِي مِن شِقِّهِ الأيْمَنِ، فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بشَحْمَةِ أُذُنِي، قالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ احْتَبَى حتَّى إنِّي لأَسْمَعُ نَفَسَهُ رَاقِدًا، فَلَمَّا تَبَيَّنَ له الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 763 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763).
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يَحرِصون على مَعرفةِ تَفاصيلِ عِبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ويَسألُون عمَّا لا يَرَوْنه مِمَّا كان يَتعبَّدُ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بيْتِه، وكان بعضُهم يَتحرَّى مَعرفةَ ذلك بما لهمْ مِن صِلاتٍ وقَرابةٍ مع النَّبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِن هؤلاء عبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ ابنُ عَمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وابنُ أُختِ زَوجتِه مَيْمُونةَ رَضِي اللهُ عنهم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما أنَّه بات ليْلةً عندَ خالتِه أمِّ المؤمنين مَيْمُونةَ بنتِ الحارِثِ رَضِي اللهُ عنها، وكانتْ هذه لَيلتَها مع النَّبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال لخالتِه رَضِي اللهُ عنهما: «إذا قام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم» للصَّلاةِ باللَّيلِ «فأَيقِظِيني»؛ حِرصًا منه على أنْ يَتتبَّعَ حالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في قِيامِ ليْلِه، فلمَّا انْقَضى جُزءٌ مِن اللَّيلِ، قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُصلِّي، فقام ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما وتَوضَّأَ مِثلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -كما في الصَّحيحينِ-، ثمَّ وقَفَ إلى جانبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن جِهةِ اليسارِ، فأمسَكَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأخَذَه مِن يَدَيه مِن خلْفِ ظَهرِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وأوقَفَه بجِوارِه عن يَمِينِه، وهذا بَيانٌ لِمَوقِفِ كلٍّ مِن الإمامِ والمأمومِ في صَلاةِ الاثنينِ جَماعةً، وكان ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما إذا أخَذه النُّعاسُ في الصَّلاةِ، كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَفرُكُ شَحْمَةَ أُذُنِه، وهي اللَّحْمَةُ المُتدلِّيَةُ في الأُذنِ، وكان يَفعَلُ به ذلك ليُنبِّهَه ويُوقِظَه وهو في الصَّلاةِ.
ثمَّ أخبَرَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى في تلك اللَّيلةِ إحدَى عَشْرَةَ رَكعةً، يُصلِّيها رَكعتينِ رَكعتينِ، ثمَّ أوتَرَ «ثُمَّ احْتَبَى»، والاحتباءُ أنْ يَقعُدَ الإنسانُ على أَليَتَيْهِ ويَنصِبَ ساقَيْهِ، فيَضُمَّ رِجلَيْهِ إلى بَطنِه بثَوبٍ، ويَجمَعَهما مع ظَهْرِه، ويَشُدَّ الثَّوبَ عليه بهذه الهيْئةِ، أو يَشُدَّ على ساقَيْهِ بيَدِه، وقولُه: «حتَّى إنِّي لأَسْمَعُ نَفَسَهُ رَاقِدًا» معناه: أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جلَسَ قليلًا على وضْعِ الاحتباءِ، ثمَّ اضْطَجَع، كما في رِواياتِ الصَّحيحينِ، حتَّى كان ابنُ عبَّاسٍ يَسمَعُ صَوتَ أنفاسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وهذا يدُلُّ على النَّومِ العَمِيق، فلمَّا دخَلَ وقتُ الفجرِ قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فصلَّى ركعتَيْن خفيفتَيْنِ لا طُولَ فيهما، وهما سُنَّةُ الفجرِ، وذلك مِن غيرِ وُضوءٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تَنامُ عَيناه ولا يَنامُ قَلبُه، فلمْ يَنتَقِضْ وُضوؤُه؛ لِيَقَظةِ قَلبِه، ثمَّ خرَجَ إلى المسجدِ فصلَّى بالنَّاسِ، كما في الصَّحيحينِ.
وهذا الرِّوايةُ الَّتي رَواها مُسلمٌ هي رِوايةُ الضَّحَّاكِ بنِ عُثمانَ، وهي مُخالِفةٌ لرِوايةِ الحُفَّاظِ الأكثرينَ، حيث قال: «ثمَّ صلَّى إحْدى عشْرةَ رَكعةً»، ورِوايةُ الأكثرينَ أنَّه صلى ثلاثَ عشْرةَ رَكعةً، ورِوايتُهم هي المَحفوظةُ؛ فقدْ كان صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُصلِّي أوَّلًا رَكعتينِ خَفيفتينِ، ثمَّ رَكعتينِ طَويلتينِ، ثمَّ سِتَّ رَكعاتٍ، ثمَّ ثلاثًا بعْدها؛ فالجُملةُ ثلاثَ عشْرةَ رَكعةً.
وفي الحديثِ: تَنبِيهُ الغافِلِ في الصَّلاةِ بِشَدِّ أُذنِه وما شابَه ذلك مِمَّا يُنبِّهُه.
وفيه: الجَماعةُ في الصَّلاةِ النَّافلةِ.
وفيه: بياتُ الغُلامِ عندَ إحدى مَحارمِه في وُجودِ زوجِها.