الموسوعة الحديثية


- كيفَ أَنْتُمْ إذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا ولَا دِرْهَمًا؟ فقِيلَ له: وكيفَ تَرَى ذلكَ كَائِنًا يا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قالَ: إي والذي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بيَدِهِ، عن قَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، قالوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وذِمَّةُ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَشُدُّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ ما في أَيْدِيهِمْ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3180 | خلاصة حكم المحدث : [معلق] | التخريج : أخرجه البخاري معلقاً (3180) واللفظ له، وأخرجه موصولاً أحمد (8386)
حِفظُ العُهودِ مِن أهَمِّ صِفاتِ المُسلِمِ الحَقِّ، وقدْ أوْصى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِفظِ العُهودِ والمَواثيقِ، حتَّى لِغَيرِ المُسلِمينَ، وبَيَّنَ سُوءَ عاقِبةِ نَقْضِها بغَيرِ وَجْهِ حَقٍّ.
وفي هذا الحَديثِ يُحذِّرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه المُسلِمينَ مِن نَقضِ العَهدِ مع أهلِ الذِّمَّةِ، ويُنذِرُ مِن سُوءِ عاقِبةِ ظُلمِهم، فيَقولُ لِمَن حَولَه مِنَ التَّابِعينَ: كيفَ يَكونُ حالُكم إذا لم تَأخُذوا مِنَ الجِزْيةِ والخَراجِ دِينارًا ولا دِرهَمًا؟ فتَعجَّبَ مَن حَولَه، وسَألوا: كيف يَحدُثُ هذا وأموالُ الجِزيةِ والخَراجِ تَتَوالَى على المُسلِمينَ مِن كُلِّ مَكانٍ؟! فأخبَرَهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو الصادِقُ في كَلامِهِ، المَصدوقُ فيما حدَّثَهُ بهِ جبريلُ عليه السَّلامُ- أخبَرَ بأنَّ هذا يَحدُثُ عِندَما تُنتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسولِه؛ وذلك حين يَنقُضُ المُسلِمونَ عَهدَ اللهِ وعَهدَ رَسولِه مع أهلِ الذِّمَّةِ، فيَظلِمونَهم ويَعتدُونَ عليهم، فيُعاقَبونَ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرةِ، حيثُ «يَشُدُّ اللهُ عزَّ وجلَّ قُلوبَ أهلِ الذِّمَّةِ»، فيَجعَلُ قُلوبَهم تَقوَى على المُسلِمينَ، ويَنزِعُ مَهابَتَهم منها، «فيَمنَعونَ ما في أيديهم»، أي: يَمتَنِعونَ مِن أداءِ ما وَجَبَ عليهم مِنَ الجِزيةِ وغَيرِها، فلا يَأخُذُ المُسلِمونَ منهم شَيئًا، فتَضيقُ أحوالُهم.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبُوَّةِ.
وفيه: أنَّ التَّمسُّكَ بأوامِرِ اللهِ تَعالى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعُهودِهما سَبيلُ النَّجاةِ لِأُمَّةِ الإسلامِ، وكُلَّما ابتَعَدوا عنهما خابوا وخَسِروا.
وفيه: أنَّ لِأهلِ الذِّمَّةِ حُقوقًا يَجِبُ على إمامِ المُسلِمينَ رِعايَتُها والمُحافَظةُ عليها، وأنَّ لهم عَهدًا وذِمَّةً يَجِبُ الوَفاءُ بها.