الموسوعة الحديثية


- لمَّا وقَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بذي طُوًى، قال أبو قُحافةَ لابنةٍ له من أصغَرِ وَلَدِه: أيْ بُنيَّةُ، اظْهَري بي على أبي قَبِيسٍ. قالتْ: وقد كُفَّ بصَرُه. قالتْ: فأشرَفْتُ به عليه، فقال: يا بُنيَّةُ، ماذا ترَيْنَ؟ قالتْ: أرى سَوادًا مُجتمِعًا، قال: تلك الخَيلُ، قالت: وأرى رجُلًا يَسْعى بين ذلك السَّوادِ مُقبِلًا ومُدبِرًا، قال: يا بُنيَّةُ، ذلك الوازِعُ، يعنِي الذي يأمُرُ الخَيلَ ويتقدَّمُ إليها، ثمَّ قالتْ: قد واللهِ انتَشرَ السَّوادُ، فقال: قد واللهِ إذا دَفَعتِ الخَيلُ، فأسرِعي بي إلى بَيْتي، فانحطَّتْ به، وتلقَّاه الخَيلُ قبلَ أنْ يَصِلَ إلى بيتِه، وفي عُنُقِ الجاريةِ طَوقٌ لها من وَرِقٍ، فتلقَّاه رجُلٌ، فاقتلَعَه من عُنُقِها. قالتْ: فلمَّا دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مكَّةَ، ودخَلَ المَسجِدَ، أتاه أبو بكْرٍ بأبيهِ، فلمَّا رآه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قال: هلَّا تَركْتَ الشَّيخَ في بَيتِه حتى أكونَ أنا آتِيهِ فيه. قال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ، هو أحَقُّ أنْ يَمشِيَ إليكَ من أنْ تَمشِيَ أنت إليهِ، قال: فأجلَسَه بينَ يدَيهِ، ثمَّ مسَحَ صدرَه، ثمَّ قال له: أسلِمْ. فأسلَمَ، ودخَلَ به أبو بكرٍ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورأسُه كأنَّه ثَغامةٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: غيِّروا هذا من شَعْرِه. ثمَّ قام أبو بكرٍ، فأخذَ بيَدِ أختِه، فقال: أنشُدُ باللهِ والإسلامِ طَوْقَ أُختي، فلم يُجِبْه أحَدٌ، فقالَ: يا أُخيَّةُ، احتَسِبي طَوقَكِ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : أسماء بنت أبي بكر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 26956
| التخريج : أخرجه أحمد (26956)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3684)، وابن حبان (7208)
التصنيف الموضوعي: حج - دخول مكة بدون إحرام مغازي - فتح مكة إيمان - دعوة الكافر إلى الإسلام بر وصلة - توقير الكبير ورحمة الصغير غنائم - حل الغنائم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
كانَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه حَريصًا على إسلامِ أبيه، ولَكِنَّ أباه تَأخَّرَ إسلامُه إلى يَومِ فتحِ مَكَّةَ في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِنَ الهِجرةِ، وكانَ قد كَبِرَ وعَميَ، فجاءَ أبو بَكرٍ بأبيه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأسلَمَ، وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أسماءُ بنتُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهُما، كَيفَ كانَ إسلامُ جَدِّها أبي قُحافةَ، فتَقولُ: لَمَّا وقَفَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي طُوًى، وهو مَوضِعٌ بمَكَّةَ داخِلَ الحَرَمِ، وقيلَ: اسمُ بئرٍ عِندَ مَكَّةَ في طَريقِ أهلِ المَدينةِ. والمَعنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا قدِمَ فاتِحًا مَكَّةَ وقَفَ قَبلَ أن يَدخُلَ مَكَّةَ بذي طُوًى، قال أبو قُحافةَ لابنةٍ له مِن أصغَرِ ولَدِهِ: أي بُنَيَّةُ، أي: هَلُمِّي يا بُنَيَّةُ واسمَعي ما أقولُ لَكِ، اظهَري بي، أيِ: ارتَفِعي بي على أبي قُبَيسٍ. وهو أحَدُ جِبالِ مَكَّةَ مُشرِفٌ على الحَرَمِ، أيِ: اصعَدي بي على ظَهرِ هذا الجَبَلِ. وكانَ أبو قُحافةَ قد كُفَّ بَصَرُه وعَميَ، فأشرَفَتِ البِنتُ بأبيها على الجَبَلِ حَتَّى أصبَحَ فوقَه، ثُمَّ قال لَها: يا بُنَيَّةُ، ماذا تَرَينَ؟ أي: أخبِريني ماذا تُشاهِدينَ أمامَكِ مِن فوقِ الجَبَلِ، فقالت: أرى سَوادًا مُجتَمِعًا، أي: شَيئًا مِثلَ السَّوادِ المُجتَمِعِ، فقال أبو قُحافةَ: تلك الخَيلُ، قالت: وأرى رَجُلًا يَسعى بَينَ ذلك السَّوادِ مُقبِلًا ومُدبِرًا، أي: ذاهِبًا وراجِعًا، فقال: يا بُنَيَّةُ، ذلك الوازِعُ، يَعني الذي يَأمُرُ الخَيلَ ويَتَقدَّمُ إلَيها، أيِ: المَسؤولُ عَن سَيرِ الخَيلِ وتَقدُّمِها ويَكونُ قُدَّامَها، ثُمَّ قالتِ البِنتُ: قد واللهِ انتَشَرَ السَّوادُ، أي: كَثُرَ وتَوزَّعَ في كُلِّ مَكانٍ، فقال: قد واللهِ إذًا دَفَعَتِ الخَيلُ، فأسرِعي بي إلى بَيتي، أي: قد بَدَأتِ الخَيلُ بالتَّحَرُّكِ فعودي بي للبَيتِ قَبلَ أن يَصِلوا، فانحَطَّتِ البِنتُ بأبي قُحافةَ راجِعينِ إلى البَيتِ، وتَلَقَّاه الخَيلُ قَبلَ أن يَصِلَ إلى بَيتِه، أي: أنَّ وُصولَ الخَيلِ إلَيهِم كانَ أسرَعَ مِن وُصولِهِم إلى بَيتِهِم، وكانَ في عُنُقِ الجاريةِ طَوقٌ لَها مِن وَرِقٍ، أي: مِن فِضَّةٍ كانَت لابِسةً له في عُنُقِها، فتَلَقَّاه رَجُلٌ، فاقتَلَعَه مِن عُنُقِها، أي: رَأى أحَدُ الرِّجالِ هذا الطَّوقَ في عُنُقِ البِنتِ فقَطَعَه مِنها وأخَذَه. فلَمَّا دَخَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَكَّةَ، ودَخَلَ المَسجِدَ، أيِ: المَسجِدَ الحَرامَ، أتاه أبو بَكرٍ بأبيه، أي: أحضَرَ أبو بَكرٍ والِدَه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى يُسلِمَ، فلَمَّا رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا قُحافةَ وكَبِرَ سِنُّه، قال لأبي بَكرٍ: هَلَّا تَرَكتَ الشَّيخَ في بَيتِه حَتَّى أكونَ أنا آتيه فيه، أي: لَو أنَّكَ يا أبا بَكرٍ تَرَكتَ والِدَكَ في بَيتِه فأكونَ أنا الذي أذهَبُ إلَيه، وجاءَ في رِوايةٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك تَكرِمةً لأبي بَكرٍ، فقال أبو بَكرٍ: يا رَسولَ اللهِ، هو أحَقُّ أن يَمشيَ إلَيكَ مِن أن تَمشيَ أنتَ إلَيه، أي: هو الجَديرُ بأن يَأتيَ إلَيكَ لا أن تَأتيَ أنتَ إلَيه، ثُمَّ أجلَسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا قُحافةَ بَينَ يَدَيه، أي: أمامَه، ثُمَّ مَسَحَ صَدرَه، أي: حَتَّى يَنالَ مِن بَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أسلِمْ. فأسلَمَ أبو قُحافةَ، ولَمَّا دَخَلَ أبو بَكرٍ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأبيه كانَ رَأسُ أبي قُحافةَ كَأنَّه ثَغامةٌ، وهو نَبتٌ أبيَضُ الزَّهرِ والثَّمَرِ يُشبَّه به الشَّيبُ. وقيلَ: هيَ شَجَرةٌ تَبيَضُّ كَأنَّها الثَّلجُ. والمَقصودُ أنَّ شَعرَ أبي قُحافةَ كانَ أبيَضَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: غَيِّروا هذا مِن شَعرِه، أيِ: استَعمِلوا شَيئًا مِنَ الحِنَّاءِ ونَحوِها في تَغييرِ هذا الشَّيبِ والبَياضِ، ثُمَّ قامَ أبو بَكرٍ، فأخَذَ بيَدِ أُختِه، فقال: أنشُدُ باللهِ والإسلامِ طَوقَ أُختي، أي: أسألُ وأُقسِمُ باللهِ مَن أخَذَ طَوقَ أُختي أن يَرُدَّه ويُرجِعَه لَها، فلَم يُجِبْه أحَدٌ. أي: لم يقُمْ أحدٌ ويُجِبْه، ولعَلَّ الذي أخذ الطَّوقَ تأوَّل أنَّه من حربيٍّ، فعندَ ذلك قال أبو بكرٍ لأختِه: يا أخيَّةُ، احتَسِبي طَوقَك. أي: اطلُبي ثوابَ ضَياعِ طَوقِك من اللهِ. وفي رِوايةٍ أنَّه قال: فواللهِ إنَّ الأمانةَ في النَّاسِ لَقَلِيلٌ.وفي الحَديثِ بَيانُ إسلامِ أبي قُحافةَ.وفيه بَيانُ تَأخُّرِ إسلامِ أبي قُحافةَ.وفيه مَشروعيَّةُ إكرامِ وتَوقيرِ كَبيرِ السَّنِّ.وفيه بَيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَكارِمِ خُلُقِه.وفيه حِرصُ أبي بَكرٍ على إسلامِ أبيه.وفيه مَشروعيَّةُ تَغييرِ الشَّيبِ.وفيه أنَّ مَن فقدَ شَيئًا ولَم يَجِدْه احتَسَبَ الأجرَ مِنَ اللهِ [16] ينظر: النهاية (1/214) ، صحيح ابن حبان (16/187) ، دلائل النبوة للبيهقي (5/95) ، الفتح الرباني (21/151-152) ، حاشية السندي على مسند أحمد (5/594) ..
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها