الموسوعة الحديثية


- لمَّا صدَرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ عنْ مِنًى في آخِرِ حجَّةٍ حَجَّها أناخَ بالبَطْحاءِ، ثمَّ كوَّمَ كَوْمةً ببَطْحاءَ، ثمَّ طرَحَ عليها صِنْفةَ رِدائِه، ثمَّ اسْتَلْقى ومدَّ يدَيْه إلى السَّماءِ، فقالَ: «اللَّهمَّ كبِرَ سِنِّي، وضعُفَتْ قُوَّتي، وانتشَرَتْ رَعِيَّتي، فاقْبِضْني إليكَ غيرَ مُضيِّعٍ ولا مُفرِّطٍ»، ثمَّ قدِمَ في ذي الحِجَّةِ فخطَبَ النَّاسَ، فقالَ: «أيُّها النَّاسُ، إنَّه قد سُنَّتْ لكمُ السُّنَنُ، وفُرِضَتْ لكمُ الفَرائضُ، وتُرِكْتُم على الواضِحةِ -وضرَبَ بإحْدى يدَيْه على الأُخْرى- إلَّا أنْ تَميلوا بالنَّاسِ يَمينًا وشِمالًا»، فما انسلَخَتْ ذو الحِجَّةِ حتَّى قُتِلَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: وسمِعْتُ سَعيدَ بنَ المسيِّبِ يَقولُ: «طعَنَ أبو لُؤْلؤةَ الَّذي قتَلَ عُمَرَ اثْنَيْ عَشرَ رَجلًا بعُمَرَ، فماتَ منهم ستَّةٌ، وأفرَقَ منهم ستَّةٌ، وكانَ معَه سكِّينٌ له طَرَفانِ، فطعَنَ به نَفْسَه فقَتَلَها».
خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]
الراوي : سعيد بن المسيب | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين | الصفحة أو الرقم : 4569
التصنيف الموضوعي: أدعية وأذكار - الدعاء بالموت والحياة آداب الدعاء - رفع اليدين في الدعاء حدود - الحث على إقامة الحدود حدود - حد الرجم علم - النسخ في القرآن والسنة
الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم خَيرُ القُرونِ؛ فهمُ الذينَ ناصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووقَفوا مَعَه، وكانوا يُقدِّمونَ أنفُسَهم دونَ نَفسِه؛ ولهذا أثنى اللهُ تَعالى عليهم، وأثنى عليهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن خيرةِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أميرُ المُؤمِنينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه ثاني الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ، وسيرَتُه وحَياتُه مَليئةٌ بالدُّروسِ والعِبَرِ، وفي هذا الحَديثِ بَيانُ كَيف قُتِل رَضِيَ اللهُ عنه. فيَقولُ سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ -وهو أحَدُ التَّابِعينَ-: لمَّا صَدَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه عن مِنًى، أي: خَرَجَ مِن مِنًى راجِعًا إلى مَكَّةَ في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّها سَنةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ، أناخَ بالبَطحاءِ، أي: أنزَل راحِلتَه بمَكانٍ يُقالُ له البَطحاءُ أوِ الأبطحُ، وهو بأعلى مَكَّةَ؛ إمَّا لأنَّه رَأى النُّزولَ فيه مَشروعًا، أو لأنَّه نَزَل به حتَّى يَقضيَ ما عليه ويَطوفَ للوداعِ ثُمَّ يَذهَبَ مِنه إلى المَدينةِ، ثُمَّ كَوَّمَ كومةً ببَطحاءَ. الكَومُ: كُلُّ ما اجتَمَعَ وارتَفعَ له رَأسٌ مِن تُرابٍ أو رَملٍ أو حِجارةٍ أو نَحوِ ذلك، ومِنه المَوضِعُ المُشرِفُ كالتَّلِّ، والمَعنى: أنَّه جَعَل كَومةً مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ طَرَحَ عليها، أي: على الكَومةِ التي فعَلها، صَنِفةَ رِدائِه، أي: طَرَفَ ثَوبِه مِمَّا يَلي طُرَّتَه ليَقيَه التُّرابَ، ثُمَّ استَلقى، أي: رَقدَ على قَفاه وأسنَدَ ظَهرَه عليها، ومَدَّ يَدَيه إلى السَّماءِ، أي: رَفعَهما يَدعو، فقال: اللهُمَّ كَبِرَ سِنِّي، أي: عُمُري، وضَعُفت قوَّتي، أي: بسَبَبِ كِبَرِ سِنِّي. وانتَشَرَت رَعِيَّتي، أي: كَثُرَت وتَفرَّقَت رَعيَّتي التي أقومُ بتَدبيرِها وسياسَتِها بسَبَبِ كَثرةِ الفُتوحاتِ، فاقبِضْني إليك، أي: توفَّني، غَيرَ مُضَيِّعٍ، أي: لِما أمَرتَني به، ولا مُفَرِّطٍ، أي: مُتَهاوِنٍ به، والمَعنى: أنَّه ضَعُف عَمَّا كان عليه مِنَ الاجتِهادِ في العِبادةِ والنَّظَرِ للمُسلِمينَ، مَعَ انتِشارِ رَعيَّتهِ ببُعدِ الأقطارِ، ويُحتَمَلُ أن يُريدَ بذلك أن يَهَبَه مِنَ العَونِ على ما كَلَّفه ما يَعصِمُه مِنَ التَّضييعِ والتَّفريطِ إلى أن يَموتَ، ويُحتَمَلُ أن يَدعو بتَعجيلِ مَوتِه لمَّا خَشيَ أن يَقَعَ مِنه تَضييعٌ أو تَفريطٌ لضَعفِ قوَّتِه وانتِشارِ رَعيَّتِه، وليسَ هذا مِمَّا نَهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أن يَدعوَ أحَدٌ بالمَوتِ لضُرٍّ نَزَل به، وإنَّما دُعاءُ عُمَرَ بالمَوتِ كان لخَوفِ التَّفريطِ، أي: لا تَجعَلْني مُضَيِّعًا لأمرٍ مِن أوامِرِك التي أمَرتَني بها، ولا مُفرِّطًا، مِنَ التَّفريطِ وهو التَّقصيرُ، يَعني فتَوَفَّني حالَ كَوني غَيرَ مُقَصِّرٍ بسَبَبِ التَّهاوُنِ بأمرِك، أو غَيرَ مُجاوِزٍ لحُكمٍ مِن أحكامِك، ثُمَّ قَدِمَ في ذي الحِجَّةِ، أي: وصَل إلى المَدينةِ في شَهرِ ذي الحِجَّةِ، فخَطَبَ النَّاسَ، لعَلَّه قدِ استَشعَرَ إجابةَ دَعوتِه، فخَطَبَ النَّاسَ مُعلِمًا لهم بما خاف إشكالَه مِنَ الأحكامِ ومُذَكِّرًا لهم وواعِظًا ومودِّعًا، فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّه قد سُنَّت لكُمُ السُّنَنُ، وفُرِضَت لكُمُ الفرائِضُ. يُحتَمَلُ أن يُريدَ بالسُّنَنِ طُرُقَ الشَّريعةِ وأحكامَها، وبالفرائِضِ المُقدَّراتِ، وتُرِكتُم على الواضِحةِ، أي: على الطَّريقةِ الواضِحةِ البَيِّنةِ التي لا يُخافُ على سالِكِها ضَلالٌ، وضَرب بإحدى يَدَيه على الأُخرى. يُحتَمَلُ أنَّه ضَرَبَ بإحداهما على الأُخرى على مَعنى القَطعِ لكَلامِه والإشارةِ إلى أنَّ ما قاله أمرٌ قد فُرِغَ مِنه لا اعتِراضَ فيه، ويُحتَمَلُ أن يَضرِبَ بإحداهما على الأُخرى أو يُزيلَها عنها إلى جانِبٍ على سَبيلِ أن يُضِلَّ العُلماءُ النَّاسَ يَمينًا وشِمالًا، أو ضَرَبها أسَفًا وتَعَجُّبًا مِمَّن يَقَعُ مِنه ضَلالٌ بَعدَ هذا البَيانِ البالغِ إلَّا أن تَميلوا بالنَّاسِ يَمينًا وشِمالًا، أي: أنتُم على الطَّريقِ المُستَقيمِ إلَّا إذا مِلتُم بالنَّاسِ عنه، فتَكونونَ قد سَلكتُمُ الطُّرُقَ المُعوجَّةَ وتَرَكتُمُ الطَّريقَ الواضِحَ. ظاهرُه أنَّه خاطَبَ بذلك الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم وأهلَ العِلمِ مُحَذِّرًا لهم أن يُضِلُّوا النَّاسَ، فيَحمِلوهم على غَيرِ الطَّريقةِ الواضِحةِ على حَسَبِ ما يَفعَلُ الضَّالُّ عنِ الطَّريقِ يَأخُذُ عن يَمينِها أو عن شِمالِها. يَقولُ سَعيدٌ: فما انسَلخَت، أي: مَضى شَهرُ ذي الحِجَّةِ، حتَّى قُتِل عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه، قَتله أبو لُؤلُؤةَ المَجوسيُّ لعنه اللهُ. يَقولُ سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ: طَعنَ أبو لُؤلُؤةَ -الذي قَتَل عُمَرَ- اثنَي عَشَرَ رَجُلًا بعُمَرَ، فماتَ مِنهم سِتَّةٌ، وأفرقَ، أي: عوفيَ وبَرَأ وسَلِمَ مِنهم سِتَّةٌ، وكان مَعَه سِكِّينٌ له طَرَفانِ، فطَعنَ به نَفسَه فقَتَلها، وقِصَّةُ ذلك أنَّ أبا لُؤلُؤةَ انتَظَرَ لمَّا كَبَّرَ عُمَرُ في صَلاةِ الفَجرِ فطَعنه بخِنجَرٍ مَعَه له طَرَفانِ، ثُمَّ فرَّ هارِبًا، وطَعَن مَنِ اعتَرَضَه بالخِنجَرِ مِن جِهةِ اليَمينِ أوِ الشِّمالِ حتَّى طَعن اثنَي عَشَرَ رَجُلًا، ماتَ مِنهم سِتَّةٌ، وسَلِمَ وعوفيَ سِتَّةٌ، ثُمَّ ألقى بَعضُ النَّاسِ على أبي لُؤلُؤةَ ثَوبًا حتَّى يُعموا عليه، فلمَّا شَعَرَ أبو لُؤلُؤةَ أنَّه قد وقَعَ وأنَّهم سَوف يُمسِكونَ به قَتَل نَفسَه.
وفي الحَديثِ بَيانُ كَيفيَّةِ مَقتَلِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه بَيانُ خَوفِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه مِنَ التَّقصيرِ في حَقِّ الرَّعيَّةِ.
وفيه بَيانُ قاتِلِ عُمَرَ.
وفيه بَيانُ عَدَدِ مَن قُتِل في حادِثةِ مَقتَلِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها