- أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ الحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشَّامِ، قالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلَالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلَالَ، فَقالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلَالَ؟ فَقُلتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي برُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَشَكَّ يَحْيَى بنُ يَحْيَى في نَكْتَفِي، أَوْ تَكْتَفِي.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1087 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
وفي هذا الأثَرِ: يَذكُر كُرَيْبٌ أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنتَ الحَارِثِ (وهي زوجةُ العَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، وأُمُّ عبدِ الله بنِ العَبَّاسِ) "بَعَثَتْه إلى مُعاوِيَةَ بالشَّامِ، قال: فقَدِمْتُ الشامَ، فقَضَيْتُ حاجتَها، واستَهَلَّ عليَّ رَمَضَانُ وأنا بالشامِ، فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الجُمُعَةِ"، وهذا مَطْلَع الهِلالِ في الشَّامِ، وبينها وبين المدينةِ أكثرُ مِن سَبْعِ مِئَةِ مِيل، أي: أكثرُ مِن 1120 كيلومتر، وكانت الشامُ قَلْبَ الخلافةِ في عهدِ مُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ، ومنها تُدارُ الدَّوْلَةُ، وتَتْبَعُها كلُّ الأقاليمِ الإسلاميَّةِ.
يقول كُرَيْبٌ: "ثُمَّ قَدِمْتُ المدينةَ في آخِرِ الشَّهرِ، فسألني عبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما"، أي: سألني عبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ عن الرِّحلَةِ وقضاءِ حاجةِ أُمِّه، "ثُمَّ ذَكَر" ابنُ عَبَّاسٍ "الهلالَ فقال: متَى رأيتُم الهلالَ؟ فقلتُ: رأيناه ليلةَ الجُمُعَةِ، فقال: أنتَ رأيتَه؟ فقلتُ: نعم، ورَآه الناسُ، وصاموا، وصام مُعَاوِيَةُ"، أي: صام أهلُ الشَّامِ مع رؤيةِ الهلالِ ليلةَ الجُمُعَةِ في أوَّلِ الشهرِ، وقد ذَكَر كُرَيْبٌ أنَّه رَأَى الهلالَ بنفسِه ليلةَ الجُمُعَةِ وهو في الشامِ، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: "لَكِنَّا رأيناه ليلةَ السَّبْتِ، فلا نَزَالُ نصومُ حتَّى نُكمِلَ ثلاثين، أو نرَاه" أي أنَّ أهلَ المدينةِ رَأَوْا هِلالَ رَمَضَانَ في ليلةِ السَّبتِ متأخِّرًا عن رؤيةِ أهلِ الشامِ بليلةٍ، وهذا مِن اختِلافِ مَطالِعِ الأَهِلَّةِ باختِلافِ المكانِ، فهُم يصومون حتَّى يَرَوْا هلالَ شَوَّال، فإن غُمَّ عليهم الهلالُ أَكْمَلُوا عِدَّةَ صيامِ الشهرِ ثلاثين يومًا.
"فقُلْتُ"، أي: قال كُرَيْبٌ لابنِ عَبَّاسٍ: "أَوَلَا تَكتفِي برؤيةِ مُعَاوِيَةَ وصيامِه؟ فقال: لا، هكذا أمَرَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم"، أي: ألَا تَكتفِي برؤيةِ أهلِ الشامِ ومعهم مُعَاوِيَةُ بنُ أبي سُفْيَانَ الخليفةُ؟! فتصوم بصومِهم وتُفطِر بفِطْرِهم، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: لا، أي: لا نَكتفِي بِرُؤْيتِهم، ورُبَّما قال ذلك للبُعدِ المَكانِيِّ الذي يَسمَحُ باختِلافِ مَطالِعِ الأَهِلَّةِ، ولا يمكن أن يَبلُغَ الخبرُ مِن الشامِ إلى المدينةِ في الليلةِ نفسِها، فيكونُ اعتمادُهم على أمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالصيامِ والإفطارِ برؤيةِ الهلالِ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِه وأَفطِروا لِرُؤيَتِه، فإنْ غُمَّ عليكُم فأَكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين".
وقد شكَّ يَحْيَى بنُ يَحْيَى في لَفْظَةِ: (نكتفي) أو (تكتفي) أي: شكَّ الرَّاوِي في هذه اللَّفظَةِ: هل هي بالنُّونِ أم بالتَّاءِ في بِدايَتِها، وهل هو بالخِطابِ لابنِ عَبَّاسٍ، أم بِنُونِ الجَمْعِ للمتكلِّم؟
وفي الحديثِ: الاعتِمادُ على رُؤيةِ الأهِلَّةِ في معرفةِ بِداياتِ ونِهاياتِ الأَشْهُرِ القَمَرِيَّةِ.
وفيه: صيامُ أهل الشامِ بِحَسَبِ رُؤْيَتِهِم، وصيامُ أهلِ المدينةِ بِحَسَبِ رُؤيتِهم الهلالَ بفارِق ليلة