أوتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَكارِمَ الأخلاقِ، فكان يَزورُ أصحابَه في بُيوتِهم ويُسَلِّمُ عليهم ويَأكُلُ مِن طَعامِهم، ويُلاطِفُ أطفالَهم ويَدعو لهم. وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَزورُ الأنصارَ، أي: في بُيوتِهم، فإذا وصَل إلى دُورِ الأنصارِ جاءَ صِبيانُ الأنصارِ، أي: تَجمَّع أطفالُ الأنصارِ وظَلُّوا يَدورونَ حَولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدعو لهؤلاء الأطفالِ ويَمسَحُ رؤوسَهم ويُسَلِّمُ عليهم ويُلاطِفُهم، ثُمَّ إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتى إلى بابِ سَعدِ بنِ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فسَلَّمَ عليهم، أي: سَلَّمَ على أهلِ الدَّارِ، فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فرَدَّ سَعدٌ مِن داخِلِ الدَّارِ على سَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم يَسمَعِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَدَّ سَعدٍ السَّلامَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، أي: سلَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيدُ فوقَ ثَلاثِ تسليماتٍ، أي: كان إذا أتى قَومًا سَلَّمَ عليهم ثَلاثَ مَرَّاتٍ فقَط، فإن أُذِنَ له وإلَّا انصَرَف، أي: إذا أُذِنَ له في إحدى هذه التَّسليماتِ الثَّلاثِ أجابَ، وإن لم يَرُدَّ عليه أحَدٌ انصَرَف، ولا يَزيدُ أكثَرَ مِن ثَلاثٍ. فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: انصَرَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راجِعًا، فجاءَ سَعدٌ مُبادِرًا، أي: مُسرِعًا يُريدُ أن يُدرِكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ما سَلَّمتَ تسليمةً إلَّا قد سَمِعتُها ورَدَدتُها، أي: إنِّي قد سَمِعتُ جَميعَ تسليماتِك الثَّلاثِ ورَدَدتُ عليهنَّ جَميعِهنَّ. ولكِن أرَدتُ أن تُكثِرَ علينا مِنَ السَّلامِ والرَّحمةِ، أي: لأنَّ سَلامَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلُّه دُعاءٌ وخَيرٌ وبركةٌ، فأحَبَّ أن يُكثِرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ السَّلامِ ليَكثُرَ الخَيرُ والبَرَكةُ، فادخُلْ يا رَسولَ اللهِ، أي: فأنا آذَنُ الآنَ لك بالدُّخولِ، فدَخَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجَلسَ، فقَرَّب إليه سَعدٌ طَعامًا، فأصابَ مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أكَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الطَّعامِ الذي قُرِّبَ إليه، فلمَّا أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَنصَرِفَ دَعا لسَعدٍ فقال: أكَل طَعامَكُمُ الأبرارُ، أي: الأتقياءُ الصَّالحونَ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان صائِمًا فأفطرَ عِندَه؛ فقد جاءَ في رِوايةٍ التَّصريحُ بذلك، وصَلَّت عليكُمُ المَلائِكةُ، أي: دَعَت لكُمُ المَلائِكةُ بالرَّحمةِ والمَغفِرةِ والقَبولِ.
وفي الحَديثِ زيارةُ الأميرِ لرَعيَّتِه.
وفيه بَيانُ حُسنِ خُلُقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه فرَحُ الأنصارِ وأطفالِهم بقُدومِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم.
وفيه مَشروعيَّةُ المَسحِ على رُؤوسِ الأطفالِ ومُلاطَفتِهم.
وفيه سَلامُ القادِمِ على أهلِ بَيتٍ بقَولِه: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه؛ إشعارًا لهم بالاستِئذانِ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَكرارِ السَّلامِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
وفيه تَعليمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ ألَّا يَزيدوا في السَّلامِ عِندَ وُقوفِهم على الأبوابِ على ثَلاثِ مَرَّاتٍ.
وفيه أنَّ مَن سَلَّمَ ثَلاثًا ولم يُؤذَنْ له فله أن يَنصَرِفَ.
وفيه إكرامُ الضَّيفِ.
وفيه مِن أدَبِ الضِّيافةِ أن يَأكُلَ الضَّيفُ مِمَّا قُرِّبَ له مِنَ الطَّعامِ.
وفيه دُعاءُ الضَّيفِ لمَن أكَل عِندَهم .