أوتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَميعَ الشَّمائِلِ الكَريمةِ والأخلاقِ الرَّفيعةِ، وقد ذَكَرَ الصَّحابةُ صِفاتِه وشَمائِلَه كُلَّها، ومِنها أنَّه كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشجَعَ النَّاسِ، حتَّى إنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا في شِدَّةِ الحَربِ والخَوفِ يَحتَمونَ خَلفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فيَقولُ: كان فزَعٌ بالمَدينةِ، أي: خَوفٌ وصياحٌ مِن عَدوٍّ بأنَّهم وصَلوا إلى قُربِ المَدينةِ، فاستَعارَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرَسًا لنا يُقالُ له: مَندوبُ، أي: أخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَسًا عاريَّةً مِن بَيتِ أنَسِ بنِ مالكٍ، وفي رِوايةٍ أنَّ الفرَسَ كان لأبي طَلحةَ، وكان اسمُ الفَرَسِ مَندوب، حتَّى يَذهَبَ ويَعرِفَ الخَبَرَ، فذَهَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستَكشَف الأمرَ ثُمَّ رَجَعَ وقال: ما رَأينا مِن فزَعٍ، أي: ليسَ هناكَ عَدوٌّ، فلا تَخافوا، وإن وجَدناه لبَحرًا، أي: وجَدنا الفرَسَ واسِعَ الجَريِ لا يُتعِبُ راكِبَه، كجَريِ البَحرِ، وفي رِوايةٍ أُخرى: أنَّ هذا الفرَسَ كان يُبَطَّأُ، أي: يُعرَفُ بالبُطءِ والعَجزِ وسوءِ السَّيرِ.
وفي الحَديثِ بَيانُ ما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عَظيمِ الشَّجاعةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ استِعارةِ الفَرَسِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الغَزوِ على الفرَسِ المُستَعارِ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَسميةِ الحَيَوانِ.
وفيه مُبادَرةُ الإمامِ عِندَ وُجودِ الفزَعِ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَبشيرِ النَّاسِ بعَدَمِ الخَوفِ إذا ذَهَبَ.
وفيه بَيانُ عَظيمِ بركَتِه ومُعجِزَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في انقِلابِ الفرَسِ سَريعًا بَعدَ أن كان يُبَطَّأُ.
وفيه جَوازُ سَبقِ الإنسانِ وَحدَه في كَشفِ أخبارِ العَدوِّ ما لم يَتَحَقَّقِ الهَلاكُ.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّوسُّعِ في الكَلامِ في تَشبيهِ الشَّيءِ بالشَّيءِ الذي له تَعَلُّقٌ ببَعضِ مَعانيه، وإن لم يَستَوفِ أوصافَه كُلَّها .