صَلاةُ الجَماعةِ لها فضلٌ كَبيرٌ وأجرٌ عَظيمٌ، ولها أحكامٌ كَثيرةٌ، مِنها ما يَتَعَلَّقُ بالحُضورِ والإتيانِ للصَّلاةِ، ومِنها ما يَتَعَلَّقُ بالإمامِ والمَأمومِ، ومِنَ الأحكامِ المُتَعَلِّقةِ بها مُتابَعةُ المَأمومِ للإمامِ في أفعالِه في جَميعِ أركانِ الصَّلاةِ مِن قيامٍ وقُعودٍ وغَيرِ ذلك. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: سَقَطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فرَسٍ، أي: وقَعَ على الأرضِ عَن ظَهرِ فرَسٍ رَكِبَها، فجُحِشَ شِقُّه الأيمَنُ، أي: خُدِش جانِبُه الأيمَنُ، وقد يَكونُ ما أصابَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن هذا السُّقوطِ مَعَ الخَدشِ رَضٌّ في الأعضاءِ وتَوجُّعٌ؛ فلذلك مَنَعَه القيامَ للصَّلاةِ. فدَخَلنا نَعودُه، أي: دَخَل جَماعةٌ مِنَ الصَّحابةِ يَزورونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَضَرَتِ الصَّلاةُ، أي: حانَ وقتُ الصَّلاةِ، ونَحنُ عِندُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمُرادُ هنا صَلاةُ الفريضةِ؛ لأنَّها هيَ التي يَجتَمِعونَ لها، فصَلَّى بنا قاعِدًا، أي: صَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو جالسٌ، وصَلَّينا خَلفه قيامًا، أي: صَلَّى الصَّحابةُ خَلفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهم قيامٌ. فلمَّا قَضى صَلاتَه، أي: لمَّا انتَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الصَّلاةِ، قال لهم: إنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ به، أي: جُعِل الإمامُ إمامًا ليُقتَدى به ويُتَّبَعَ، ومِن شَأنِ التَّابعِ ألَّا يَسبِقَ مَتبوعَه، ولا يُساويَه، ولا يَتَقدَّمَ عليه في مَوقِفِه، بَل يُراقِبُ أحوالَه، ويَأتي على أثَرِه بنَحوِ فِعلِه، ومُقتَضى ذلك ألَّا يُخالِفَه في شَيءٍ مِنَ الأحوالِ، فإذا كَبَّرَ فكَبِّروا، أي: إذا كَبَّرَ تَكبيرةَ الإحرامِ فكَبِّروا خَلفَه، ومِثلُه بَقيَّةُ التَّكبيراتِ الأُخرى. وإذا رَكَعَ فاركَعوا، أي: إذا رَكَعَ الإمامُ فاركَعوا خَلفَه، وإذا رَفعَ فارفَعوا، أي: إذا رَفعَ الإمامُ مِنَ الرُّكوعِ فارفَعوا أنتُم كذلك، وإذا قال: سَمِعَ اللَّهُ لمَن حَمِدَه، أي: قال الإمامُ هذا الذِّكرَ، ومَعناه: أجابَ اللهُ دُعاءَ مَن حَمِدَه، فقولوا: اللهُمَّ رَبَّنا ولك الحَمدُ، أي: قولوا بَعدَه: اللهُمَّ رَبَّنا ولك الحَمدُ، أي: رَبَّنا استَجِبْ، أو رَبَّنا أطَعناك، وإذا سَجَدَ فاسجُدوا، أي: إذا سَجَدَ الإمامُ فاسجُدوا أنتُم بَعدَه. وإذا صَلَّى قاعِدًا فصَلُّوا قُعودًا أجمَعونَ، أي: إذا صَلَّى الإمامُ جالسًا لمَرَضٍ مَنَعَه مِنَ القيامِ فصَلُّوا جُلوسًا مِثلَه ولا تُخالِفوه في شَيءٍ مِنَ الأفعالِ. وفي مَسألةِ صَلاةِ المَأمومِ جالسًا خَلفَ الإمامِ الجالِسِ خِلافٌ وتَفصيلٌ مَحَلُّه كُتُبُ الفِقهِ.
وفي الحَديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَشَرٌ يُصيبُه ما يُصيبُ البَشَرَ مِنَ المَصائِبِ والأسقامِ مِن غَيرِ نَقصٍ في مِقدارِه بذلك، بَل ليَزدادَ قَدرُه رِفعةً ومَنصِبُه جَلالةً.
وفيه مَشروعيَّةُ رُكوبِ الخَيلِ.
وفيه مَشروعيَّةُ زيارةِ المَريضِ.
وفيه مَشروعيَّةُ زيارةِ التَّابعِ للمَتبوعِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ جالسًا عِندَ عَدَمِ الاستِطاعةِ للقيامِ.
وفيه مَشروعيَّةُ صَلاةِ الجَماعةِ في البَيتِ لعُذرٍ.
وفيه مَشروعيَّةُ إمامةِ الجالِسِ.
وفيه أنَّ للإمامِ إذا مَرِضَ وعَجَزَ عَنِ القيامِ أن يُصَلِّيَ بنَفسِه ولا يَستَخلِفَ.
وفيه مُتابَعةُ المَأمومِ للإمامِ في جَميعِ أفعالِ الصَّلاةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ صَلاةِ المَأمومِ جالسًا مَعَ قُدرَتِه على الصَّلاةِ قائِمًا إذا صَلَّى الإمامُ جالسًا.
وفيه أنَّ أفعالَ المَأمومِ تَكونُ بَعدَ الإمامِ لا قَبلَه ولا مُساويةً لفِعلِه.
وفيه قَولُ المَأمومِ في الرَّفعِ مِنَ الرُّكوعِ: اللهُمَّ رَبَّنا ولك الحَمدُ.
وفيه بَيانُ حُسنِ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه .