الشَّيطانُ عَدوٌّ للإنسانِ، يَحرِصُ بكُلِّ وسيلةٍ على إغوائِه ومَنعِه مِنَ الخَيرِ، ويَتَسَلَّطُ عليه بالأذى في بَدَنِه عِندَ نَومِه؛ حتَّى لا يَستَطيعَ الشَّخصُ القيامَ لصَلاةِ اللَّيلِ بسَبَبِ ما يَعقِدُه الشَّيطانُ مِنَ العُقَدِ على مَواضِعِ الوُضوءِ مِنَ الشَّخصِ. وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ عُقبةُ بنُ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه -وقد كان حَريصًا ألَّا يَقولَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما لم يَقُلْ؛ وذلك لأنَّه قد جاءَ الوعيدُ الشَّديدُ فيمَن كَذَبَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَن كَذَب عَلَيَّ، أي: تَحَدَّثَ وأخبَرَ عَنِّي بحَديثٍ أو بقَولٍ لم أقُلْه، مُتَعَمِّدًا، أي: عامِدًا وقاصِدًا الكَذِبَ عَلَيَّ، فليَتَبَوَّأْ، أي: فليَتَّخِذْ له بَيتًا مِن جَهَنَّمَ، أي: ليَنزِلْ مَنزِلَه مِنَ النَّارِ. ثُمَّ أخبَرَ عُقبةُ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: يَقومُ الرَّجُلُ مِن أُمَّتي مِنَ اللَّيلِ، أي: في اللَّيلِ يُريدُ الصَّلاةَ، يُعالجُ نَفسَه إلى الطُّهورِ، أي: يُقاوِمُ ويُصارِعُ نَفسَه ويَحمِلُها على استِعمالِ الماءِ للتَّطَهُّرِ وإسباغِ الوُضوءِ لا سيَّما أيَّامِ البَردِ، وعليه -أي: على الرَّجُلِ الذي قامَ اللَّيلَ- عُقَدٌ. جَمعُ عُقدةٍ، وهيَ ما يَعقِدُه الشَّيطانُ على الإنسانِ عِندَ النَّومِ لكَي يَمنَعَه القيامَ للصَّلاةِ، فإذا وضَّأ الرَّجُلُ يَدَيه، أي: غَسَل يَدَيه بالماءِ، انحَلَّت عُقدةٌ، أي: افتَكَّتِ العُقدةُ التي عَقَدَها الشَّيطانُ على اليَدَينِ، وإذا وضَّأ وَجهَه، أي: غَسَل وَجهَه بالماءِ، انحَلَّت عُقدةٌ، أي: افتَكَّتِ العُقدةُ التي عَقَدَها الشَّيطانُ على الوَجهِ، وإذا مَسَحَ رَأسَه، أي: مَسَحَ رَأسَه بالماءِ، انحَلَّت عُقدةٌ، أي: افتَكَّتِ العُقدةُ التي عَقَدَها الشَّيطانُ على الرَّأسِ، وإذا وضَّأ رِجلَيه، أي: غَسَل رِجلَيه بالماءِ، انحَلَّت عُقدةٌ، أي: افتَكَّتِ العُقدةُ التي عَقَدَها الشَّيطانُ على الرِّجلَينِ. فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ للذينِ وراءَ الحِجابِ، أي: المَلائِكةِ؛ لأنَّ البَشَرَ مَحجوبونَ عَنهم: انظُروا إلى عَبدي هذا، يُعالجُ نَفسَه يَسألُني، أي: قامَ يَتَطَهَّرُ ويُقاوِمُ نَفسَه على الطُّهورِ لكَي يَسألَني، ما سَألني عَبدي هذا فهو له، أي: ما طَلبَه مِنِّي عَبدي ودَعا به فإنِّي أُجيبُ له دَعوتَه، ما سَألني عَبدي هذا فهو له. كَرَّرَ ذلك للتَّأكيدِ ولبَيانِ عَظيمِ الفِعلِ الذي قامَ به هذا الرَّجُلُ.
وفي الحَديثِ بَيانُ الوعيدِ الشَّديدِ فيمَن كَذَبَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم متعمِّدًا.
وفيه فَضلُ قيامِ اللَّيلِ.
وفيه أنَّ الشَّيطانَ يَعمَلُ عُقَدًا على مَواضِعِ الوُضوءِ مِنَ الإنسانِ.
وفيه أنَّ الوُضوءَ يَحُلُّ عُقَدَ الشَّيطانِ.
وفيه إثباتُ صِفةِ الكَلامِ للهِ تعالى.
وفيه مُباهاةُ اللَّهِ تعالى بمَن قامَ اللَّيلَ عِندَ المَلائِكةِ.
وفيه استِجابةُ اللَّهِ لدُعاءِ العَبدِ إذا قامَ اللَّيلَ .