الموسوعة الحديثية


- كنَّا جلوسًا عِندَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّه علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - إذ قالَ له قائلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ هل أُتيتَ بطعامٍ منَ السَّماءِ ؟ قالَ: نعَم. قالَ: وبماذا ؟ قالَ: بسَخْنَةٍ قالوا: فَهَل كانَ فيها فَضلٌ عنكَ ؟ قالَ: نعَم. قالَ: فما فُعِلَ بِهِ ؟ قالَ: رُفِعَ وَهوَ يوحي إليَّ أنِّي مَكْفوتٌ غيرُ لابثٍ فيكم ، ولستُمْ لابثينَ بعدي إلَّا قليلابل تلبَثونَ حتَّى تقولوا: متَى ، وسَتأتونَ أفنادًا يُفني بعضُكُم بَعضًا ، وبينَ يديِ السَّاعةِ موتانٌ شديدٌ ، وبعدَهُ سنواتُ الزَّلازلِ
مِن أركانِ الإيمانِ: الإيمانُ باليَومِ الآخِرِ، وذلك يَتَضَمَّنُ الإيمانَ بما يَكونُ في ذلك اليَومِ مِنَ الأهوالِ والأحوالِ التي فيها يَتَغَيَّرُ مَعالمُ هذا الكَونِ، وإنَّ مِنَ الأُمورِ المُتَعَلِّقةِ باليَومِ الآخِرِ الإيمانَ بأشراطِ السَّاعةِ، أي: عَلاماتِ يَومِ القيامةِ؛ فإنَّ السَّاعةَ لا تَقومُ حَتَّى تَظهَرَ عَلاماتٌ بَيَّنَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن تلك العَلاماتِ كَثرةُ المَوتِ وكَثرةُ الزَّلازِلِ، وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَلَمةُ بنُ نُفَيلٍ السَّكونيُّ رَضِيَ اللهُ عنه، فيَقولُ: كُنَّا جُلوسًا عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: كان جَماعةٌ مِنَ الصَّحابةِ في مَجلِسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ قال لَه قائِلٌ، أي: سَألَ أحَدُ الحاضِرينَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لَه: يا رَسولَ اللهِ، هل أُتيتُ بطَعامٍ مِنَ السَّماءِ؟ أي: هل كان مِنَ الآياتِ التي جِئتَ بِها أنَّه أُنزِلَ عليك طَعامٌ مِنَ السَّماءِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَم، أي: أجَلْ، قد أُتِيتُ بِطَعامٍ مِنَ السَّماءِ. فقال الرَّجُلُ: وبِماذا؟ أي: بِأيِّ شَيءٍ كان هذا الطَّعامُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بمِسخَنةٍ، أي: في قِدرٍ كالتَّورِ يُسَخَّنُ فيها الطَّعامُ، فقال الصَّحابةُ: فهل كان فيها فَضلٌ عنك؟ أي: فهل بَقيَ مِنها شَيءٌ بَعدَ أكلِك مِنها؟ والفاضِلُ: هو الشَّيءُ الزَّائِدُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَم، أي: قد بَقيَ فيها فضلٌ. فقال الرَّجُلُ: فما فُعِل به؟ أي: ماذا صُنِعَ بِذلك الفاضِلِ مِنَ الطَّعامِ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: رُفِعَ، أي: رُفِعَ ذلك الطَّعامُ. ثُمَّ قال لَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وهو يُوحى إليَّ، أي: أنَّ اللَّهَ يوحي إليه، أنِّي مَكفوتٌ. الكَفتُ: الضَّمُّ، أي: مَضمومٌ إلى القَبرِ، والمَعنى: أنِّي سَأموتُ وأُدفَنُ في القَبرِ، غَيرُ لابِثٍ فيكُم، أي: غَيرُ باقٍ فيكُم، ولَستُم لابِثينَ بَعدي، أي: وأنتُم كذلك لَن تَعيشوا بَعدي إلَّا قَليلًا، بَل تَلبَثونَ حتَّى تَقولوا: مَتى، أي: سَتَعيشونَ حتَّى تَقولوا مَتى نَمَوتُ؟ لفَسادِ حالِ الدُّنيا. وسَتَأتونَ أي: تَلحَقونَ بي بِالمَوتِ أفنادًا، أي: جَماعاتٍ مُتَفرِّقينَ قَومًا بَعدَ قَومٍ، يُفني بَعضُكُم بَعضًا، أي: يُهلِكُ ويَقتُلُ بَعضُكُم بَعضًا، كما فسَّرَته الرِّوايةُ الأُخرى. ثُمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وبَينَ يَدَيِ السَّاعةِ، أي: أمامَها قَبلَ قيامِ السَّاعةِ تَظهَرُ عَلاماتٌ، ومِنها: مُوتانٌ شَديدٌ، أي: كَثرةُ المَوتِ، وبَعدَه سَنَواتُ الزَّلازِلِ، أي: سَنَواتٌ يَكثُرُ فيها الزَّلازِلُ.
وفي الحَديثِ بَيانُ ما أُكرِمَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن نُزولِ الطَّعامِ إليه مِنَ السَّماءِ.
وفيه بَيانُ سَبقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّحابةَ بالمَوتِ.
وفيه عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ حَيثُ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما سيَكونُ بَعدَه في أُمَّتِه مِن قِتالِ بَعضِهم بَعضًا.
وفيه أنَّ كَثرةَ المَوتِ وكَثرةَ الزَّلازِلِ مِن أشراطِ السَّاعةِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها