الموسوعة الحديثية


- أَرْسَلَتْ قريشٌ ، عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ - وهو رجلٌ رَزِينٌ هادىءٌ - فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : يا ابنَ أَخِي ، إنك منا حيثُ قد علمتَ من المكانِ في النسبِ ، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتَهم ، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورًا لعلك تقبلُ بعضَها . إن كنتَ إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعْنا لك من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالًا . وإن كنتَ تريدُ شَرَفًا سَوَّدْناكَ علينا فلا نَقْطَعُ أمرًا دونَك . وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا . وإن كان هذا الذي يأتِيكَ رِئْيًا تَرَاه لا تستطيعُ رَدَّه عن نفسِك ، طَلَبْنا لك الطِّبَّ ، وبَذَلْنا فيه أموالَنا حتى تَبْرَأَ . فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ صَدْرَ سُورَةِ فُصِّلَتْ : حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا ؛ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ . قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . . .
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة | الصفحة أو الرقم : 107
| التخريج : أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/402)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (38/246) من حديث محمد بن كعب القرظي.
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة فصلت فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - تعرض الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم وإعراضه عنها فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صبره فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - صبره في الدعوة إلى الله فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - مبعث النبي فضائل سور وآيات - سورة فصلت
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
لمَّا بَعَثَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِدَعوةِ النَّاسِ إلى التَّوحيدِ وعِبادةِ اللهِ وحدَه، كَذَّبه قَومُه وآذَوه ولَم يُؤمِنْ مَعَه إلَّا نَفرٌ قَليلٌ مِنَ المُستَضعَفينَ، وضَيَّقوا عليهم، واشتَدَّ الأذى بِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وضاقَ الحالُ بِقُرَيشٍ في شَأنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماذا يَفعَلونَ بِه، لا سيَّما عِندَما أسلَمَ حَمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهما، وبَدَأ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَزيدونَ ويَكثُرونَ، فأرسَلوا إليه مَن يُحاوِرُه ويُحاوِلُ مَعَه أن يُقنِعَه ويُخَيِّرَه بَينَ خِصالٍ لَعَلَّه يَترُكُ الدَّعوةَ لِدينِ اللهِ، فأرسَلَت قُرَيشٌ عُتبةَ بنَ رَبيعةَ، وهو رَجُلٌ رَزينٌ، أي: ذو ثَباتٍ ووقارٍ وسُكونٍ، هادِئٌ، أي: يُعرَفُ مِنه الهدوءُ في الحِوارِ والكَلامِ مَعَ الآخَرينَ، فذَهَبَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لَه: يا ابنَ أخي. وهذا تَلَطُّفٌ مِن عُتبةَ في مُحاورَتِه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إنَّك مِنَّا حَيثُ قد عَلِمتَ مِنَ المَكانِ في النَّسَبِ، أي: أنَّ نَسَبَك فينا نَسَبٌ عالٍ رَفيعٌ، فأنتَ مِن أشرافِ قُرَيشٍ وخيارِهم، وقد أتَيتَ قَومَك بِأمرٍ عَظيمٍ. يَقصِدُ الدَّعوةَ إلى اللهِ وتَوحيدِه وتَركِ الشِّركِ وعِبادةِ الأصنامِ، فرَّقتَ به جَماعَتَهم، أي: لمَّا أتَيتَ بهذا الدِّينِ تفَرَّق جَمعُ النَّاسِ فأصبَحَ النَّاسُ على قِسمَينِ: قِسمٌ آمَن واستَجابَ لَك، وقِسمٌ ما زالَ على دينِ الشِّركِ، فاسمَعْ مِنِّي أعرِضْ عليك أُمورًا لَعَلَّك تَقبَلُ بَعضَها، أي: قد أرسَلَني كِبارُ قُرَيشٍ حتَّى أعرِضَ عليك بَعضَ الخِصالِ فرُبَّما تَقبَلُ بَعضَها ويَنتَهي هذا التَّفرُّقُ في قُرَيشٍ. وجاءَ في رِوايةٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لَه: قُلْ ما عِندَك. فقال عُتبةُ: إن كُنتَ إنَّما تُريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعنا لَك مِن أموالِنا حتَّى تَكونَ أكثَرَنا مالًا، أي: إذا كان غَرَضُك وهَدَفُك بِدَعوةِ النَّاسِ لِدينِك -وهو التَّوحيدُ- أن تَكونَ لَك الأموالُ الكَثيرةُ، فنَحنُ مُستَعِدُّونَ أن نَجمَعَ مِن أموالِنا الشَّيءَ الكَثيرَ ونُعطيَه لَك حتَّى تُصبِحَ أكثَرَنا مالًا. وإن كُنتَ تُريدُ شَرَفًا سَوَّدناك علينا، فلا نَقطَعُ أمرًا دونَك، أي: إن كان قَصدُك بهذا الأمرِ السِّيادةَ والزَّعامةَ علينا فنَحنُ مُستَعِدُّونَ أن نَجعَلَك سَيِّدًا علينا فلا نَحكُمَ أو نَقضيَ في أمرٍ حتَّى نَرجِعَ إليك، فيَكونَ المَرجِعُ إليك. وإن كُنتَ تُريدُ مُلكًا مَلَّكناك علينا، أي: إن كان المَقصودُ المُلكَ فنَحنُ مُستَعِدُّونَ أن نَجعَلَك مَلِكًا علينا. وإن كان هذا الذي يَأتيك، أي: يَقصِدُ الوَحيَ، رَئِيًّا: وهو ما يَتَراءى لِلإنسانِ مِنَ الجِنِّ ويُلقي إليه الأخبارَ، تَراه لا تَستَطيعُ رَدَّه عن نَفسِك، أي: لا تَقدِرُ أن تَدفعَه عن نَفسِك، طَلَبنا لَك الطِّبَّ، أي: سَعَينا لَك وبَحَثنا عنِ الأطِبَّاءِ والكُهَّانِ ومَن يُعالِجونَك مِن ذلك. وبَذَلنا فيه أموالَنا حتَّى تَبرأَ، أي: تشفى وتَتَعافى مِمَّا يَأتيك. فلَمَّا فرَغَ قَولُه، أي: لمَّا انتَهى عُتبةُ مِن عَرضِه تلك الخِصالَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وجاءَ في رِوايةٍ أُخرى: أنَّ رَسولَ اللهِ قال لَه: أقَد فرَغتَ يا أبا الوَليدِ؟ فقال: نَعَمْ، فقال لَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فاسمَعْ مِنِّي، ثُمَّ تَلا عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَدْرَ، أي: بِدايةَ، سورةِ فُصِّلَت: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 1 - 7] ، ولَعَلَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَخَيَّرَ هذه الآياتِ مِنَ الوحيِ حتَّى يَعرِفَ عُتبةُ ومَن خَلفَه حَقيقةَ الرِّسالةِ والرَّسولِ، وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَحمِلُ كِتابًا مِنَ الخالِقِ إلى خَلقِه يَهديهم به مِنَ الضَّلالِ، وإذا كان اللَّهُ يَطلُبُ مِن عِبادِه أن يَستَقيموا إليه ويَستَغفِروه، فمُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألهَجُ النَّاسِ بِالِاستِغفارِ، وألزَمُهم لِلِاستِقامةِ، وما يَطلُبُ مُلكًا ولا مالًا ولا جاهًا؛ فقد أمكَنَه اللَّهُ مِن هذا كُلِّه، ولَكِنَّه تَرَفَّعَ عنه كُلِّه.
وفي الحَديثِ بَيانُ مُحاولةِ قُرَيشٍ في إغراءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِتَركِ الدَّعوةِ.
وفيه مُحاورةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِقُرَيشٍ بِالقُرآنِ الكَريمِ.
وفيه فَشَلُ قُرَيشٍ في مُحاولَتِها مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ أهَمِّيَّةِ هذه الآياتِ وما فيها مِنَ المَعاني العَظيمةِ.
وفيه بَيانُ أنَّ سورةَ فُصِّلَت نَزَلَت في مَكَّةَ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها