الموسوعة الحديثية


- سأل أهلُ مَكَّةَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم أنْ يَجعَلَ لهمُ الصَّفا ذَهبًا, وأنْ يُنَحِّيَ الجبالَ عنهم فيَزْدَرِعوا, فقِيلَ له: إنْ شِئْتَ تَسْتَأْني بهِم، وإنْ شِئْتَ أنْ نُعْطِيَهُمُ الَّذي سألوا, فإنْ كَفروا أُهْلِكوا كما أَهْلَكْتُ مَن قَبْلَهُم، قال: لا، بل أَسْتَأْني بهِم. فأَنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذه الآيةَ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59].
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند | الصفحة أو الرقم : 670
| التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (11290)، وأحمد (2333).
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة الإسراء فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - مبعث النبي قرآن - أسباب النزول فضائل سور وآيات - سورة الإسراء
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
مِن أسبابِ هَلاكِ الأُمَمِ السَّابقةِ بَعدَ كُفرِهم وشِركِهم باللهِ تعالى أنَّهم كانوا يَطلُبونَ مِن أنبيائِهم ويَقتَرِحون عليهم أن يَأتوهم بمُعجِزاتٍ حَسَبَ ما يُريدونَ؛ تَعنُّتًا مِنهم وكِبرًا، ويَظُنُّونَ أنَّ الأنبياءَ لن يَستَطيعوا ذلك، وعِندَما يَأتيهمُ الأنبياءُ بما طَلبوا لا يُؤمِنونَ، بَل يُصِرُّونَ على كُفرِهم وشِركِهم؛ فلهذا يُعاجِلُهمُ اللهُ بالعَذابِ والعِقابِ؛ ولهذا جاءَ في الحَديثِ أنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ادعُ اللهَ رَبَّك أن يَجعَلَ لنا الصَّفا ذَهَبًا، أي: اطلُبْ مِنه أن يُحَوِّلَ جَبَلَ الصَّفا، وهو اسمُ أحَدِ جَبَلَيِ المَسعى. والصَّفا في الأصلِ جَمعُ صَفاةٍ، وهيَ الصَّخرةُ والحَجَرُ الأملَسُ، وأن يُنَحِّيَ الجِبالَ عنهم فيَزدَرِعوا، أي: أن يُبعِدَ الجِبالَ عن نَواحي مَكَّةَ ويُزيلَها فتَصيرَ نَواحيها أرضًا بَيضاءَ قابلةً للزَّرعِ؛ وذلك أنَّ مَكَّةَ كُلَّها مُحاطةٌ بجِبالٍ كَبيرةٍ ضَخمةٍ، وهيَ أيضًا بوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ، فيُريدونَ مِنه أن يُبعِدَ هذه الجِبالَ حتَّى يَزرَعوا فيها. فقيل له، أي: أُوحيَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إن شِئتَ تَستَأني بهم، أي: تَنتَظِرُ وتَتَرَبَّصُ إلى أن يَهديَهمُ اللهُ ويوفِّقَهم، ولا تُجيبُهم إلى ما طَلبوا، فلك ذلك، وإن شِئتَ، أي: أحبَبتَ وأرَدتَ أن نُعطيَهمُ الذي سَألوا، أي: بأن نُحَوِّلَ لهمُ الصَّفا ذَهَبًا ونُبعِدَ الجِبالَ عن مَكَّةَ، ولكِن إن فعَلنا ذلك ثُمَّ كَفروا ولم يُؤمِنوا ويُصَدِّقوا، أُهلِكوا، أي: عَجَّلتُ لهمُ العُقوبةَ والعَذابَ كما أهلَكتُ مَن قَبلَهم، أي: مِنَ الأُمَمِ السَّابقةِ الذينَ اقتَرَحوا وطَلبوا الآياتِ حتَّى يُؤمِنوا؛ وذلك لأنَّ اللهَ قد أنفَذَ لهم ما طَلبوه، وهو مِن قَبيلِ المُعجِزةِ، فوجَبَ عليهم أن يُؤمِنوا وألَّا يَستَكبروا ويُعانِدوا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا، أي: لا أُريدُ أن تُجيبَ لهم ما طَلَبوه، بَل أستَأني بهم، أي: أنتَظِرُ إسلامَهم، وهذا مِن رَأفتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهم، وأنَّ اختيارَه لهم خَيرٌ لهم مِمَّا اختاروه هم لأنفُسِهم؛ ولهذا أسلَمَ أغلَبُ قُرَيشٍ. فأنزَل اللهُ عَزَّ وجَلَّ هذه الآيةَ، أي: أنزَلها جَوابًا عنِ المَنعِ لِما اقتَرَحوا؛ حتَّى لا يُتَوهَّمَ أنَّ ذلك لعَدَمِ قُدرَتِه تعالى، أو لعَدَمِ نُبوَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ} أي: نَبعَثَ الآياتِ ونَأتيَ بها على ما سَأل قَومُك؛ فإنَّه سَهلٌ علينا يَسيرٌ لدَينا، {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} أي: إلَّا أنَّه قد كَذَّبَ بها الأوَّلونَ بَعدَما سَألوها، وجَرَت سُنَّتُنا فيهم وفي أمثالِهم أنَّهم لا يُؤَخَّرونَ إذا كَذَّبوا بها بَعدَ نُزولها {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] ، أي: مُضيئةً بَيِّنةً. والمَعنى: أنَّ مِن تلك الآياتِ أنَّ اللهَ أعطى لقَومِ ثَمودَ ما طَلبوه بأن أخرج لهم نَبيُّهم صالِحٌ عليه السَّلامُ ناقةً مِن داخِلِ الصَّخرةِ، فلَمَّا حَصَل ذلك كَذَّبوا وعَقَروا النَّاقةَ، فأهلكَهمُ اللهُ، وإنَّما ذَكَرَ سُبحانَه قَومَ ثَمودَ؛ لأنَّ آثارَ إهلاكِهم في بلادِ العَرَبِ قَريبةٌ مِن حُدودِهم يُبصِرُها مَن مَرَّ مِن هناكَ.
وفي الحَديثِ التَّحذيرُ مِن طَلَبِ الآياتِ مِنَ الأنبياءِ.
وفيه تَعنُّتُ المُشرِكينَ وطَلبُهمُ الآياتِ حتَّى يُؤمِنوا.
وفيه شِدَّةُ عُقوبةِ وعَذابِ مَن طَلَب الآياتِ ثُمَّ لم يُؤمِنْ.
وفيه تَخييرُ اللهِ لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في استِجابَتِه لِما طَلبَه أهلُ مَكَّةَ أوِ الانتِظارِ بهم.
وفيه شَفقةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَحمتُه بأُمَّتِه ومَحَبَّتُه لهدايَتِهم.
وفيه بَيانُ سَبَبِ نُزولِ الآيةِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها