بعث اللهُ تعالى أنبياءَه للدَّعوةِ إلى توحيدِ اللهِ تعالى، ونَبذِ الشِّركِ والتَّعَلُّقِ بغيرِ اللهِ، وكان خاتِمَهم نبيُّنا محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدعا لتوحيدِ اللهِ، وحَذَّر أمَّتَه من الشِّركِ ووسائِلِه وكُلِّ ما يُقَرِّبُ منه، ومن ذلك أنَّه نهى عن شَدِّ الرَّحلِ -وهو للبَعيرِ كالسَّرجِ للفَرَسِ- وهو كنايةٌ عن السَّفَرِ إلى المساجدِ، أو أيِّ بقعةٍ بغَرَضِ العبادةِ فيها أو رجاءِ فَضلٍ فيها، غيرَ الثَّلاثةِ المساجِدِ فقط، وهي المسجِدُ الحرامُ، والمسجِدُ النَّبَويُّ، والمسجِدُ الأقصى، فهذه المساجِدُ جاءت نصوصٌ ببيانِ فَضلِها وميزتِها على غيرِها من المساجِدِ، أمَّا بقيَّةُ المساجِدِ فكُلُّها سواءٌ.
ثمَّ ذكر في الحديثِ حُكمًا آخَرَ، وهو النَّهيُ أن تسافِرَ المرأةُ بدونِ مَحرَمٍ؛ وذلك خوفًا ممَّا قد يعترِضُها من الأخطارِ والآفاتِ، وكونُه ذَكَر هنا مسيرةَ يومينِ لا يعني أنَّ السَّفَرَ إذا كان أقَلَّ من ذلك جائزٌ، وإنَّما المقصودُ النَّهيُ عن السَّفَرِ مُطلقًا بدونِ مَحرَمٍ، والمحرَمُ هو زوجُها، وكُلُّ مَن يَحرُمُ عليه نِكاحُها أبدًا من قريبٍ بنَسَبٍ كأبيها وابنِها وأخيها، أو سَبَبٍ مُباحٍ كصِهرٍ أو رَضاعٍ، وقد جاءت رواياتٌ أُخرى بذِكرِ يومٍ، وفي بعضِها يومان، وفي بعضِها: ثلاثةُ أيَّامٍ، وهذا الاختلافُ إنَّما هو لاختلافِ السَّائِلينَ واختِلافِ المواطِنِ، وليس في النَّهيِ عن يومينِ تصريحٌ بإباحةِ اليومِ واللَّيلةِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن السَّفَرِ لغَيرِ المساجِدِ الثَّلاثةِ، سواءٌ كان بشَدِّ رَحلٍ أو كان سيرًا على الأقدامِ.
وفيه فضيلةُ هذه المساجدِ الثَّلاثةِ ومَزِيَّتُها على غيرِها، وفَضلُ الصَّلاةِ فيها.
وفيه حِرصُ الصَّحابةِ على الصِّدقِ في نَقلِ الحديثِ، وتجنُّبُهم الكَذِبَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه النَّهيُ عن سفَرِ المرأةِ بدونِ مَحرَمٍ.
اللغة