الأعمالُ الصَّالحةُ سَبَبٌ في تَفريجِ الكُرُباتِ وتَيسيرِ العَسيرِ؛ فعَلى المَرءِ أن يُكثِرَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ ويَجعَلَها خالصةً لوَجهِ اللهِ تعالى؛ فقد تَنفَعُه إذا وقَعَ في ضيقٍ وشِدَّةٍ، فيَتَوسَّلُ للهِ تعالى بهذا العَمَلِ الصَّالحِ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقِصَّةِ أصحابِ الغارِ الذينَ انطَبَقَت عليهم صَخرةٌ وهم في الغارِ، وسَألوا اللهَ أن يُنجيَهم بخالِصِ أعمالِهم، فقال: كان ثَلاثةُ نَفَرِ، والنَّفَرُ همُ الجَماعةُ مِنَ الرِّجالِ ما بَينَ الثَّلاثةِ إلى العَشرةِ، يَمشونَ في غِبِّ السَّماءِ. وغِبُّ الشَّيءِ: عاقِبَتُه وآخِرُه. والسَّماءُ: المَطَرُ. والمَعنى: يَمشونَ في أواخِرِ المَطَرِ، فمَرُّوا بغارٍ. وهو ما يَكونُ في الجَبَلِ يَدخُلُه النَّاسُ فيَبيتونَ فيه، فقالوا: لو أويتُم إلى هذا الغارِ، أي: قال بَعضُهم لبَعضٍ: لَو ذَهَبنا ودَخَلنا هذا الغارَ وجَلَسْنا فيه حتَّى يَتَوقَّفَ المَطَرُ، فأَوَوا إليه، أي: ذَهَبوا ودَخَلوه، فبَينَما هم فيه إذ وقَعَ حَجَرٌ مِنَ الجَبَلِ مِمَّا يَهبِطُ مِن خَشيةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، حتَّى إذا سَدَّ الغارَ، أي: أطبَقَ عليهم بابَ الغارِ، فقال بَعضُهم لبَعضٍ: إنَّكُم لَن تَجِدوا شَيئًا خَيرًا مِن أن يَدعوَ كُلُّ امرِئٍ مِنكُم بخَيرِ عَمَلٍ عَمِلَه قَطُّ، أي: إنَّه لا سَبيلَ للنَّجاةِ مِن هذا المَكانِ، فلَن يَسمَعَنا أحَدٌ مِنَ النَّاسِ ولَن يَدروا أينَ نَحنُ، ولَن يُخَلِّصَنا مِنه إلَّا أن نَدعوَ اللهَ تعالى بخَيرِ عَمَلٍ عَمِلْناه. فقال أحَدُهم: اللَّهُمَّ كُنتُ رَجُلًا زَرَّاعًا، أي: صاحِبَ زَرعٍ، وكان لي أُجَراءُ، أي: عُمَّالٌ يَعمَلونَ عِندي، وكان فيهم رَجُلٌ يَعمَلُ بعَمَلِ رَجُلَينِ فأعطَيتُه أجرَه كما أعطَيتُ الأُجَراءَ، أي: مِثلَ بَقيَّةِ أجرِ العُمَّالِ، فقال: أعمَلُ عَمَلَ رَجُلَينِ وتُعطيني أجرَ رَجُلٍ واحِدٍ! أي: أنَّه اعتَرَضَ على صاحِبِ العَمَلِ عِندَما أعطاه أُجرةَ عامِلٍ واحِدٍ، وهو يَعمَلُ عَمَلَ رَجُلَينِ، فانطَلَقَ وغَضِبَ وتَرَكَ أجرَه عِندي، فبَذَرتُه على حِدةٍ، أي: بمُفرَدِه، فأضعَفَ، أي: تَضاعَفَ البَذرُ وكَثُرَ، ثُمَّ بَذَرتُه مَرَّةً ثانيةً فأضعَفَ حتَّى كَثُرَ الطَّعامُ، فكان أكداسًا. وهو المُجتَمِعُ مِن كُلِّ شَيءٍ، نَحوُ الحَبِّ المَحصودِ والتَّمرِ والدَّراهِمِ وغَيرِ ذلك. ثُمَّ إنَّ هذا العامِلَ احتاجَ فأتاني يَسألُني أجرَه. فقُلت: انطَلِقْ إلى تلك الأكداسِ فإنَّها أجرُك، أي: جَميعُها لَك. فقال الرَّجُلُ: تُكَلِّمُني وتَسخَرُ بي! أي: أنَّه لَم يُصَدِّقْ أنَّ تلك المَحاصيلَ له، فظَنَّ أنَّ الرَّجُلَ يَسخَرُ به. فقال له صاحِبُ الزَّرعِ: ما أسخَرُ بك، أي: هذا الزَّرعُ لَك حَقيقةً وأنا لا أسخَرُ بك. فانطَلَقَ العامِلُ فأخَذَها. اللَّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي فعَلتُ ذلك مِن خَشيَتِك، أي: خَوفًا مِنك، وابتِغاءَ وَجهِك، أي: طَلَبًا لرِضاك، فاكشِفْه عنَّا، أي: اكشِفْ عنَّا ما نَحنُ فيه، فقال الحَجَرُ: قِضْ. وأصلُه: حِكايةُ صَوتِ الرُّكبةِ. والمُرادُ هنا: حِكايةُ صَوتِ تَحَرُّكِ الحَجَرِ، أي: أنَّ الحَجَرَ تَحَرَّكَ قَليلًا حتَّى أبصَروا الضَّوءَ. ولَكِنَّهم لا يَستَطيعونَ الخُروجَ. فقال الرَّجُلُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ راودتُ امرَأةً عن نَفسِها، أي: حاولتُ مَعَها أن أزنيَ بها وأعطَيتُها مِائةَ دينارٍ، فلَمَّا أمكَنَتني مِن نَفسِها، أي: سَلَّمَت له نَفسَها وصارَ مُتَمَكِّنًا مِنها كجُلوسِ الرَّجُلِ مِنِ امرَأتِه، بَكَتِ المَرأةُ. فقُلتُ لَها: ما يُبكيكِ؟ أي: ما سَبَبُ بُكائِك؟ فقالت: فعَلتُ هذا مِنَ الحاجةِ، أي: أنَّني لَم أزْنِ قَطُّ، وإنَّما فعَلتُه مِن حاجةٍ ألَمَّت بي. فقال لَها الرَّجُلُ: انطَلقي ولَك المِائةُ، وتَرَكَها ولَم يَزْنِ بها. اللَّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي إنَّما فعَلتُ ذلك مِن خَشيَتِك، أي: خَوفًا مِنك وابتِغاءَ وَجهِك، أي: طَلَبًا لرِضاك، فاكشِفْه عنَّا، أي: اكشِفْ عنَّا ما نَحنُ فيه. فقال الحَجَرُ: قِضْ، أي: أنَّ الحَجَرَ تَحَرَّكَ قَليلًا، حتَّى انفرَجَت مِنه فُرجةٌ عَظيمةٌ. فقال الثَّالِثُ: اللهُمَّ كان لي أبَوانِ كَبيرانِ وكان لي غَنَمٌ، فكُنتُ آتيهما بلَبَنٍ كُلَّ لَيلةٍ، أي: حتَّى يَشرَبا قَبلَ أن يَناما، فأبطَأتُ، أي: تَأخَّرتُ عنهما ذاتَ لَيلةٍ، حتَّى ناما، فجِئتُ فوجَدتُهما نائِمَينِ فكَرِهتُ أن أوقِظَهما، وكَرِهتُ أن أنطَلِقَ، أي: أذهَبَ، فيَستَيقِظانِ، فقُمتُ بالإناءِ على رؤوسِهما، أي: ظَلَّ بالإناءِ عِندَهما طَوالَ اللَّيلِ، حتَّى أصبَحتُ، اللَّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنِّي إنَّما فعَلتُ ذلك مِن خَشيَتِك وابتِغاءَ وَجهِك فاكشِفْه، فقال الحَجَرُ: قِضْ، أي: أنَّ الحَجَرَ تَحَرَّكَ قَليلًا حتَّى انكَشَفَت عنهمُ الصَّخرةُ، فخَرَجوا يَمشونَ!
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ التَّوسُّلِ إلى اللهِ تعالى بالعَمَلِ الصَّالحِ.
وفيه أنَّ العَمَلَ الصَّالحَ مِن أسبابِ تَفريجِ الكُرُباتِ.
وفيه وُقوعُ البَلاءِ للمَرءِ.
وفيه فضلُ العَمَلِ الصَّالحِ.
وفيه فَضلُ الإخلاصِ في العِبادةِ.
وفيه فَضلُ أداءِ الحُقوقِ.
وفيه فَضلُ العِفَّةِ والخَوفِ مِنَ اللهِ تعالى.
وفيه فَضلُ بِرِّ الوالدَينِ .