الموسوعة الحديثية


- كانتْ مَجالِسُ الناسِ المَساجِدَ، حتى رَجَعوا مِن صِفِّينَ وبَرَؤُوا مِن القَضيَّةِ، فاستَخَفَّ الناسُ وقَعَدوا في السِّكَكِ يَتخَبَّرونَ الأخبارَ، فبَينَما نحن قُعودٌ عِندَ عليٍّ وهو يَتكَلَّمُ بأمْرِ الناسِ، قال: فقامَ رجُلٌ عليه فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ائْذَنْ لي أنْ أتَكَلَّمَ. قال: فشُغِلَ بما كان فيه مِن أمْرِ الناسِ، قال: فأخَذْنا الرجُلَ فأقعَدْناه إلينا، وقُلْنا: ما هذا الذي تُريدُ أنْ تَسألَ عنه أميرَ المُؤمِنينَ؟ فقال: إنِّي كنتُ في العُمرةِ، فدَخَلتُ على أُمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ فقالتْ: ما هؤلاءِ الذين خَرَجوا قِبَلَكم يُقالُ لهم: حَروراءُ؟ فقلتُ: قَومٌ خَرَجوا إلى أرضٍ قَريبةٍ مِنَّا يُقالُ لها: حَروراءُ. قالت: فشَهِدتَ هَلَكَتَهم؟ -قال عاصِمٌ: فلا أدْري ما قال الرجُلُ، نعَمْ أم لا- فقالتْ عائشةُ: أمَا إنَّ ابنَ أبي طالبٍ لو شاءَ حدَّثَكم حديثَهم. فجِئتُ أسأَلُه عن ذلكَ. فلمَّا فَرَغَ عليٌّ ممَّا كان فيه قال: أينَ الرجُلُ المُستأذِنُ؟ قال: فقامَ فقَصَّ عليه ما قَصَّ علينا. قال: فأهَلَّ عليٌّ وكبَّرَ، وقال: دَخَلتُ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ وليسَ عندَه غَيرُ عائشةَ، فقال: كيفَ أنتَ يا ابنَ أبي طالبٍ وقَومُ كذا وكذا؟ فقلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. فأعادَها، فقلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: قَومٌ يَخرُجونَ مِن قِبَلِ المَشرِقِ ويَقرَؤُونَ القرآنَ، لا يُجاوِزُ تَراقيَهم.
خلاصة حكم المحدث : حسن
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح دلائل النبوة | الصفحة أو الرقم : 603
| التخريج : أخرجه إسحاق بن راهويه كما في ((المطالب العالية)) لابن حجر (4437)، والبزار (872) كلاهما بلفظه، وأحمد (1378) مختصرا.
التصنيف الموضوعي: اعتصام بالسنة - الخوارج والمارقين حدود - قتل الخوارج وأهل البغي قرآن - أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
مِن أعلامِ نُبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُستَقبَليَّةِ أنَّه أخبَرَ عن ظُهورِ فِرقةِ الخَوارِجِ، فذَكَرَ بَعضَ صِفاتِهم وحَذَّرَ مِنهم، وأخبَرَ عن مَكانِ خُروجِهم، وقد خَرَجوا في عَهدِ الخَليفةِ الرَّاشِدِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ كُلَيبٌ فيَقولُ: كانت مَجالِسُ النَّاسِ المَساجِدَ، أي: هيَ المَجالِسُ التي يَجلسونَ ويَتَحَدَّثونَ فيها، حتَّى رَجَعوا مِن صِفِّينَ. وهو مَكانٌ بالقُربِ مِنَ الفُراتِ، شَرقيَّ بلادِ الشَّامِ، وقَعَت فيه مَعرَكةٌ بَينَ عَليٍّ ومُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما نِهايةَ سَنةَ 36 وبدايةَ سَنةِ 37 للهِجرةِ. وبَرَؤوا مِنَ القَضيَّةِ، أي: لَعَلَّ المَقصودَ بالقَضيَّةِ قَضيَّةُ التَّحكيمِ، فاستَخَفَّ النَّاسُ. مِنَ الخِفَّةِ: ضِدُّ الشَّيءِ الثَّقيلِ، أي: أنَّهم بَدَلَ ما كانتِ المَجالِسُ المَساجِدَ تَخَفَّفوا بَعدَ ذلك فقَعَدوا في السِّكَكِ، أي: طُرُقِ المَدينةِ، يَتَخَبَّرونَ الأخبارَ، أي: مَن عِندَه الأخبارُ. فبَينَما نَحنُ قُعودٌ عِندَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وهو يَتَكَلَّمُ بأمرِ النَّاسِ، أي: لَعَلَّه يَقصِدُ بشَأنِ الاقتِتالِ في مَعرَكةِ صِفِّينَ وعَدَمِ استِجابةِ أهلِ الشَّامِ له. فقامَ رَجُلٌ إلى عليٍّ وقال له: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ائذَنْ لي أن أتَكَلَّمَ، أي: طَلَبَ مِنه أن يَأذَنَ له في الكَلامِ. فشُغِلَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه بما كان فيه مِن أمرِ النَّاسِ، أي: انشَغَلَ عنِ الرَّجُلِ؛ لِما هو فيه مِنَ الكَلامِ مَعَ النَّاسِ. يَقولُ كُلَيبٌ: فأخَذْنا الرَّجُلَ فأقعَدْناه إلينا، وقُلْنا: ما هذا الذي تُريدُ أن تَسألَ عنه أميرَ المُؤمِنينَ؟ أي: ما الشَّيءُ الذي جَعَلَك تُريدُ أن تَقطَعَ على أميرِ المُؤمِنينَ حَديثَه حتَّى قُمتَ إليه؟ فقال الرَّجُلُ: إنِّي كُنتُ في العُمرةِ، أي: سافرتُ لأداءِ العُمرةِ، فدَخَلتُ على أُمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقالت للرَّجُلِ: ما هؤلاء الذينَ خَرَجوا قِبَلَكُم؟ تَقصِدُ الخَوارِجَ، يُقالُ لَهم: حَروراءُ، وهيَ البَلدةُ التي تَجمَّع فيها الخَوارِجُ. فقال الرَّجُلُ: قَومٌ خَرَجوا إلى أرضٍ قَريبةٍ مِنَّا يُقالُ لَها: حَروراءُ. قالت عائِشةُ: فشَهِدتَ هلَكَتَهم؟ أي: مَقتَلَهم، قال عاصِمٌ، وهو أحَدُ الرُّواةِ: فلا أدري ما قال الرَّجُلُ: نَعَم أم لا، أي: شَكَّ بجَوابِ الرَّجُلِ. فقالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: أمَا إنَّ ابنَ أبي طالبٍ لَو شاءَ حَدَّثَكُم حَديثَهم، أي: أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ عِندَه بخَبَرِ هؤلاء القَومِ الذينَ خَرَجوا، وماذا قال فيهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. يَقولُ الرَّجُلُ: فجِئتُ إلى عليٍّ أسألُه عن ذلك، أي: أسألُه عن أمرِ الخَوارِجِ، وماذا قال فيهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فلَمَّا فرَغَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه مِمَّا كان فيه، أي: مِن حَديثِه مَعَ النَّاسِ. قال: أينَ الرَّجُلُ المُستَأذِنُ؟ أي: الذي طَلَبَ أن يُؤذَنَ له في الكَلامِ. فقامَ الرَّجُلُ وقَصَّ على عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ما قالته عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها. فأهَلَّ عليٌّ وكَبَّرَ، أي: قال لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكبَرُ، وقال: دَخَلتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليس عِندَه غَيرُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَيف أنتَ يا ابنَ أبي طالبٍ وقَومُ كَذا وكَذا؟ أي: كَيف يَكونُ حالُك يا عَليُّ إذا خَرَجَتِ الخَوارِجُ؟ فقال عليٌّ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. فأعادَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَقولةَ، فقال عليٌّ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قَومٌ يَخرُجونَ مِن قِبَلِ المَشرِقِ، أي: مِن جِهةِ الشَّرقِ، ويقرؤون القُرآنَ، أي: يُكثِرونَ مِن قِراءةِ القُرآنِ، لَكِنَّه لا يُجاوِزُ تراقيَهم، أي: أنَّهم يُكثِرونَ مِن قِراءةِ القُرآنِ، ولَكِنَّه لا يُجاوِزُ تراقيَهم، والتَّراقي: جَمعُ تَرقُوةٍ، وهيَ العِظامُ بَينَ ثُغرةِ النَّحرِ والعاتِقِ، والمَعنى: لا يَخلُصُ عن ألسِنَتِهم وآذانِهم إلى قُلوبِهم، أي: أنَّ قِراءَتَهم لا يَرفعُها اللهُ ولا يَقبَلُها، فكَأنَّها لَم تَتَجاوَزْ حُلوقَهم. وقيلَ المَعنى: أنَّهم لا يَعمَلونَ بالقُرآنِ ولا يثابون على قِراءَتِه، فلا يَحصُلُ لَهم غَيرُ القِراءةِ.
وفي الحَديثِ أنَّ المَساجِدَ كانت هيَ مَجالِسَ النَّاسِ.
وفيه تَحويلُ النَّاسِ مَجالِسَهم مِنَ المَساجِدِ إلى الطُّرُقاتِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الاستِئذانِ عِندَ الحَديثِ.
وفيه مَعرِفةُ عليٍّ بأمرِ الخَوارِجِ.
وفيه عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّهليلِ والتَّكبيرِ إذا أخبَرَ الشَّخصُ بما يوافِقُه مِنَ الحَقِّ.
وفيه أدَبُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ مَكانِ خُروجِ الخَوارِجِ.
وفيه بَيانُ ضَلالِ الخَوارِجِ وعَدَمِ فِقهِهم للقُرآنِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها