الموسوعة الحديثية


- أنَّ رَجُلَيْنِ منَ الأنصارِ استَأْذَنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأذِن لهما، فاختَصَما إليه في أرضٍ قدْ تقدَّم شأْنُها، وهلَك مَن يعرِفُ أمْرَها، فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما أَقْضي بيْنَكما بجَهْدِ رَأْيي فيما لمْ ينزِلْ علَيَّ، وأنا أَقْضي بيْنَكما على نَحْوِ ما أسمَعُ منكما، وأيُّكما كان له في الكلامِ فَضلٌ على صاحبِهِ فقضَيْتُ لهُ، وأنا أرَى أنَّه حقُّهُ، وإنَّما هو مِن حقِّ أخيهِ، فإنَّما أَقْضي له بقِطعةٍ منَ النَّارِ يُطَوَّقُها مِن سَبْعِ أرَضِينَ، يأْتي بها إِسْطَامًا في عُنُقِهِ يومَ القِيامةِ، فلمَّا سَمِعَا ذلك بكَيَا جميعًا، وقال كلُّ واحدٍ منهما: يا رسولَ اللهِ: حظِّي له، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذهَبا فاجتَهِدا في قَسْمِ الأرضِ شَطْرَيْنِ، ثمَّ اسْتَهِمَا، فإذا أخَذ كلُّ واحدٍ منكما نَصيبَهُ فلْيُحْلِلْ أخاهُ.
الظُّلمُ ذَنبٌ عَظيمٌ، وقد جاءَتِ النُّصوصُ الكَثيرةُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ ببَيانِ قُبحِه وعاقِبة أمرِه، ومِن صُوَرِ الظُّلمِ أخذُ شَيءٍ مِن أرضِ الغَيرِ بغَيرِ حَقٍّ، فقد جاءَ الوعيدُ الشَّديدُ فيمَن ظَلَمَ شِبرًا مِنَ الأرضِ، ومِن ذلك أنَّ رَجُلَينِ مِنَ الأنصارِ استَأذَنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: طَلَبا أن يُؤذَنَ لَهما حتَّى يَدخُلا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَذِنَ لَهما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاختَصَما إليه في أرضٍ قد تَقدَّمَ شَأنُها، وهَلَكَ مَن يَعرِفُ أمرَها، أي: لَهما خُصومةٌ في أرضٍ كُلٌّ يَدَّعي أنَّها له، وكان مِن شَأنِ هذه الأرضِ أنَّه قد طالَ العَهدُ بها حتَّى هَلَكَ مَن يَعرِفُ لمَن هيَ أو لمَن كانت؟ فقال لَهما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما أقضي بَينَكُما بجُهدِ رَأيي فيما لَم يَنزِلْ عليَّ، أي: أنَّني سَوف أقضي بَينَكُما باجتِهادي، وذلك أنَّه لَم يَنزِلْ عليَّ في شَأنِكُما شَيءٌ، وأنا أقضي بَينَكُما على نَحوِ ما أسمَعُ مِنكُما، أي: أنَّ قَضائي سَوف يَكونُ حَسَبَ ما يَظهَرُ لي مِن إدلاءِ كُلٍّ مِنكُم بحُجَّتِه أو بَيِّنَتِه أنَّ الأرضَ له، وأيُّكُما كان له في الكَلامِ فَضلٌ على صاحِبه فقَضَيتُ له، أي: كان له حُسنُ كَلامٍ ومَنطِقٍ في إبداءِ أنَّ الأرضَ له، وأنا أرى أنَّه حَقُّه، أي: فيما يَظهَرُ لي، وإنَّما هو مِن حَقِّ أخيه، أي: وهيَ في حَقيقةِ الأمرِ ليست له وإنَّما حَقُّ أخيه، فإنَّما أقضي له بقِطعةٍ مِنَ النَّارِ! أي: فإذا كان كذلك فإنَّما أقطَعُ له قِطعةً مِنَ النَّارِ يُطَوَّقُها مِن سَبعِ أرَضينَ يَأتي بها إسطامًا في عُنُقِه يَومَ القيامةِ! والإسطامُ هيَ الحَديدةُ التي تُحَرَّكُ بها النَّارُ وتُسَعَّرُ، أي أقطَعُ له ما يُسَعِّرُ به النَّارَ على نَفسِه ويُشعِلُها، أو أقطَعُ له نارًا مُسَعَّرةً ذاتَ إسطامٍ. فلَمَّا سَمِعَ الخَصمانِ هذا الكَلامَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَكَيا جَميعًا؛ وذلك خَوفًا مِن شِدَّةِ هذه العُقوبةِ، وخَوفًا مِن أن يَكونَ أحَدُهما قد ظَلَمَ أخاه في الأرضِ، فعِندَ ذلك قال كُلُّ واحِدٍ مِنهما: يا رَسولَ اللهِ: حَظِّي له، أي: نَصيبي له قد تَنازَلتُ عنه لأخي. فقال لَهما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهَبا فاجتَهِدا في قَسمِ الأرضِ شَطرَينِ، أي: اذهَبا إلى مَكانِ الأرضِ واقسِماها بَينَكُما نِصفَينِ بحَسَبِ اجتِهادكُما في القِسمةِ، ثُمَّ استَهِما، أي: اقتَرِعا لمَن يَكونُ هذا النَّصيبُ وهذا النَّصيبُ، ثُمَّ إذا أخَذَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُما نَصيبَه فليَحلِلْ أخاه، أي: ليَطلُبْ مِنه أن يَجعَلَه في حِلٍّ، وإنَّما أرادَ بهذا التَّحليلَ أنَّ الشَّيءَ الذي يَقتَسِمانِه قد يَكونُ فيما أخَذَه أحَدُهما حَقٌّ لصاحِبه، فيَكونُ حَرامًا عليه أخذُه، وحَرامًا عليه الانتِفاعُ به، وإذا حَلَّلَه مِنه حَلَّ له الانتِفاعُ به، أمَّا إذا لَم يَكُنْ ذلك التَّحليلُ فإنَّه يَحرُمُ عليه الانتِفاعُ به.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الاستِئذانِ عِندَ الدُّخولِ على الإمامِ.
وفيه الرُّجوعُ للإمامِ عِندَ الخُصومةِ.
وفيه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقضي باجتِهادِه فيما لَم يَنزِلْ عليه وَحيٌ.
وفيه جَوازُ الاجتِهادِ للحاكِمِ فيما لَم يَكُنْ فيه نَصٌّ.
وفيه أنَّ الأنبياءَ لا يَعلَمونَ الغَيبَ.
وفيه أنَّ القَضاءَ يَكونُ بالظَّاهرِ.
وفيه أنَّ بَعضَ النَّاسِ أدرى بمَواضِعِ الحُجَّةِ وتَصَرُّفِ القَولِ مِن بَعضٍ.
وفيه مَشروعيَّةُ وَعظِ المُتَخاصِمينَ وتَذكيرِهم قَبلَ القَضاءِ بَينَهم.
وفيه بَيانُ الوعيدِ الشَّديدِ فيمَن أخَذَ حَقَّ غَيرِه.
وفيه التَّحَرِّي في أداءِ المَظالِمِ.
وفيه إثباتُ أنَّ الأرَضينَ سَبعٌ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَوكيلِ القاضي غَيرَه بقَسمِ الأراضي.
وفيه أنَّه إذا حَصَلَ خِلافٌ بَينَ المُتَخاصِمَينِ ولَم يُدرَ لمَنِ الحَقُّ يُقرَعُ بَينَهما.
وفيه مَشروعيَّةُ القُرعةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَوخِّي الحَقِّ وتَحَرِّيه بَعدَ العِلمِ به.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّحَلُّلِ في الخُصومةِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها