الموسوعة الحديثية


- أُغمِيَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ في مَرَضِه ثُمَّ أفاقَ، فقالَ: «أَحَضَرَتِ الصَّلاةُ؟»، قالوا: نَعمْ، قالَ: «مُروا بِلالًا فلْيُؤَذِّنْ، ومُروا أبا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ بالنَّاسِ»، ثُمَّ أُغمِيَ عليه فأفاقَ، فقالَ: «أَحَضَرَتِ الصَّلاةُ؟»، قالوا: نَعمْ، قالَ: «مُروا بِلالًا فلْيُؤَذِّنْ، ومُروا أبا بَكْرِ فلْيُصَلِّ بالنَّاسِ»، ثُمَّ أُغمِيَ عليه فأفاقَ، فقالَ: «أَحَضَرَتِ الصَّلاةُ؟»، قالوا: نَعمْ، قالَ: «مُروا بِلالًا فلْيُؤَذِّنْ، ومُروا أبا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ بالنَّاسِ»، فقالَتْ عائِشةُ: إنَّ أبي رَجُلٌ أَسيفٌ، إذا قامَ ذلك المَقامِ يَبْكي، لا يَسْتَطيعُ، فلو أمَرْتَ غَيْرَه، ثُمَّ أُغمِيَ عليه فأفاقَ، فقالَ: «مُروا بِلالًا فلْيُؤَذِّنْ، ومُروا أبا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ بالنَّاسِ، فإنَّكن صَواحِبُ يوسُفَ -أو صَواحِباتُ يوسُفَ-» قالَ: فأُمِرَ بِلالٌ فأَذَّنَ، وأُمِرَ أبو بَكْرٍ فصلَّى بالنَّاسِ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ وَجَدَ خِفَّةً فقالَ: «انْظُروا لي مَن أتَّكِئُ عليه»، فجاءَتْ بَريرةُ ورَجُلٌ آخَرُ فاتَّكَأَ عليهما، فلمَّا رآه أبو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَنكِصَ، فأَوْمَأَ إليه أن اثْبُتْ مَكانَك، ثُمَّ جاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ حتَّى جَلَسَ إلى جَنْبِ أبي بَكْرٍ، حتَّى قَضى أبو بَكْرٍ صَلاتَه، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ قُبِضَ.
جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأمَّةِ؛ وذلك لِما قاموا به من نُصرةِ هذا الدِّينِ والصَّبرِ على الأذى في سَبيلِه، وكانوا سَبَّاقينَ في كُلِّ خَيرٍ، ومن خيارِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل أفضَلُهم على الإطلاقِ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه، فله منَ المَناقِبِ والفضائِلِ الشَّيءُ الكَثيرُ؛ وذلك لما قدَّمَه في سَبيلِ هذا الدِّينِ؛ فقد بَذَل نَفسَه ومالَه كُلَّه في سَبيلِ اللهِ، حتَّى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو كُنتُ مُتَّخِذًا خَليلًا لاتَّخَذتُ أبا بكرٍ خليلًا، وقد قدَّمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَرَضِ مَوتِه ليَؤُمَّ النَّاسَ في الصَّلاةِ؛ ففي الحَديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُغميَ عليه في مَرَضِ مَوتِه، وأصلُ التَّغميةِ: السَّترُ والتَّغطيةُ. ومِنه: أُغميَ على المَريضِ: إذا غُشيَ عليه، كَأنَّ المَرَضَ سَتَرَ عَقلَه وغَطَّاه، ثُمَّ أفاقَ، أي: قامَ مِنَ الإغماءِ، فقال: أحضَرَتِ الصَّلاةُ؟ أي: هَل حانَ مَوعِدُها؟ فقالوا: نَعَم، قال: مُرُوا بلالًا فليُؤَذِّنْ، ومُرُوا أبا بَكرٍ فليُصَلِّ بالنَّاسِ، أي: قَدِّموا أبا بَكرٍ يُصَلِّي بالنَّاسِ. ثُمَّ أُغميَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً أُخرى، ثُمَّ أفاقَ، فقال: أحضَرَتِ الصَّلاة؟ قالوا: نَعَم، قال: مُرُوا بلالًا فليُؤَذِّنْ، ومُرُوا أبا بَكرٍ فليُصَلِّ بالنَّاسِ، ثُمَّ أُغميَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً ثالثةً، ثُمَّ أفاقَ، فقال: أحضَرَتِ الصَّلاةُ؟ قالوا: نَعَم، قال: مُرُوا بلالًا فليُؤَذِّنْ، ومُرُوا أبا بَكرٍ فليُصَلِّ بالنَّاسِ. فقالت عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: إنَّ أبي -تَعني أبا بَكرٍ- رَجُلٌ أسيفٌ، أي: رَقيقٌ سَريعُ البُكاءِ والحُزنِ، إذا قامَ ذلك المَقامَ، أي: مَقامَ الإمامةِ بالنَّاسِ، يَبكي، لا يَستَطيعُ، أي: لا يَستَطيعُ أن يَسمَعَ النَّاسُ صَوتَه بالقِراءةِ مِن شِدَّةِ بُكائِه، كما في بَعضِ الرِّواياتِ، فلَو أمَرتَ غَيرَه! أي: لَو جَعَلتَ شَخصًا آخَرَ يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أُغميَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً رابعةً، ثُمَّ أفاقَ، فقال: مُرُوا بلالًا فليُؤَذِّنْ، ومُرُوا أبا بَكرٍ فليُصَلِّ بالنَّاسِ؛ فإنَّكُنَّ صَواحِبُ يوسُفُ أو صَواحِباتُ يوسُفَ! أي: في التَّظاهُرِ على ما تُرِدْنَ وكَثرةِ إلحاحِكُنَّ في طَلَبِ ما تُرِدْنَه وتَمِلنَ إليه. والمَقصودُ بصَواحِبِ يوسُفَ: النِّساءُ التي تَآمَرنَ واجتَمَعنَ على نَبيِّ اللهِ يوسُفَ، لا سيَّما امرَأةِ العَزيزِ التي حاولَت مَعَه بشِدَّةٍ على أن يَقَعَ بها. ثُمَّ أمَرَ بلالًا فأذَّنَ، وأمَرَ أبا بَكرٍ فصَلَّى بالنَّاسِ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَدَ خِفَّةً، أي: نَشاطًا وعافيةً، فقال: انظُروا لي مَن أتَّكِئُ عليه، أي: حَتَّى يَذهَبَ للصَّلاةِ، فجاءَت بَريرةُ وهيَ مَولاةُ عائِشةَ، ورَجُلٌ آخَرُ فاتَّكَأ عليهما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وذَهَبَ للنَّاسِ في المَسجِدِ، فلمَّا رَآه أبو بَكرٍ ذَهَبَ ليَنكِصَ، أي: يَرجِعَ إلى ورائِه، فأومَأ، أي: أشارَ، إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنِ اثبُتْ مَكانَك ولا تَتَأخَّرْ، ثُمَّ جاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى جَلَسَ إلى جَنبِ أبي بَكرٍ، حَتَّى قَضى، أي: انتَهى أبو بَكرٍ مِن صَلاتِه، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُبِضَ، أي: توفِّيَ، مِن تلك اللَّيلةِ!
وفي الحَديثِ بَيانُ ما وجَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الشِّدَّةِ والتَّعَبِ عِندَ مَوتِه.
وفيه اهتِمامُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمرِ الصَّلاةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ استِخلافِ الإمامِ مَن يُصَلِّي بالنَّاسِ عِندَ مَرَضِه.
وفيه مَشروعيَّةُ مُراجَعةِ وَليِّ الأمرِ على سَبيلِ العَرضِ والمُشاوَرةِ والإشارةِ بما يَظهَرُ أنَّه مَصلَحةٌ، وتَكونُ تلك المُراجَعةُ بعِبارةٍ لَطيفةٍ.
وفيه مُراجَعةُ الصَّغيرِ للكَبيرِ.
وفيه الأدَبُ مَعَ الكَبيرِ؛ حَيثُ أرادَ أبو بَكرٍ التَّأخُّرَ عنِ الصَّفِّ.
وفيه أنَّ الإيماءَ يَقومُ مَقامَ النُّطقِ، ويَحتَمِلُ أن يَكونَ اقتِصارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الإشارةِ لضَعفِ صَوتِه.
وفيه الحِرصُ على صَلاةِ الجَماعةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ حُضورِ المَريضِ لصَلاةِ الجَماعةِ، وإن كان المَريضُ يُرَخَّصُ له في تَركِها.
وفيه مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ جالسًا لعُذرٍ.
وفيه صَلاةُ أبي بَكرٍ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه فضيلةُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه على جَميعِ الصَّحابةِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها