كان عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مِمَّن أوتيَ عِلمَ التَّأويلِ؛ فقد دَعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعَلِّمَه اللهُ التَّأويلَ، فرُزِقَ من ذلك عِلمًا كَثيرًا؛ ولذا سُمِّيَ بحَبرِ القُرآنِ وتَرجُمانِ القُرآنِ، وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ ابنُ عَبَّاسٍ مَوقِفًا له مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدُلُّ على فَهمِه ونَباهَتِه، حَتَّى أُعجِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به فدَعا له، وذلك أنَّه جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخَرِ اللَّيلِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي، فصَلَّى خَلفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَم يُصَلِّ بجِوارِه، فأخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِه فجَّرَه حَتَّى جَعَلَه حِذاءَه، أي: بجِوارِه عن يَمينِه، ثُمَّ لَمَّا أقبَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على صَلاتِه خَنَس، أي: تَأخَّرَ ورَجَعَ خَلفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ لَمَّا انصَرَف، أي فرَغَ مِن صَلاتِه، قال له: ما شَأنُك، أجعَلُك حِذائي فتَخنُسُ؟! أي: لماذا تَفعَلُ ذلك وأنا أجعَلُك بجِواري. فقال ابنُ عَبَّاسٍ: يا رَسولَ اللهِ، أوَ يَنبَغي لأحَدٍ أن يُصَلِّيَ حِذاءَك وأنتَ رَسولُ اللهِ الذي أعطاك اللهُ! أي: كَيف يَليقُ بأحَدٍ أن يُصَلِّيَ بجِوارِك وأنتَ رَسولُ اللهِ الذي أعطاك اللهُ ما لَم يُعطِ أحَدًا مِن خَلْقِه. فأعجَبَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا القَولَ مِنِ ابنِ عَبَّاسٍ، فدَعا اللهَ له أن يَزيدَه عِلمًا وفَهمًا. فكان ابنُ عَبَّاسٍ مِن أكثَرِ الصَّحابةِ عِلمًا وفَهمًا ببَرَكةِ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
يَقولُ ابنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نامَ، أي: بَعدَ قيامِه اللَّيلَ، حَتَّى يَستَريحَ قَليلًا، حَتَّى سَمِعتُه يَنفُخُ، أي: أنَّه استَغرَقَ في النَّومِ حَتَّى كان يُصدِرُ صَوتًا كما يَقَعُ مِنَ النَّائِمِ، ثُمَّ أتاه بلالُ بنُ رَباحٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: يا رَسولَ اللهِ، الصَّلاةَ، أي: صَلاةَ الفَجرِ، فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَلَّى الفجرَ ما أعادَ وُضوءًا، أي: ولَم يَتَوضَّأْ مِنَ النَّومةِ التي نامَها.
وفي الحَديثِ صَلاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في آخِرِ اللَّيلِ.
وفيه حِرصُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما على الصَّلاةِ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه مَشروعيَّةُ الحَرَكةِ في الصَّلاةِ للحاجةِ.
وفيه أنَّ المَأمومَ إذا كان واحِدًا فإنَّه يَقِفُ بجِوارِ الإمامِ.
وفيه صِحَّةُ صَلاةِ المُنفَرِدِ خَلفَ الصَّفِّ.
وفيه فَضلُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
وفيه تَوقيرُ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه مَشروعيَّةُ النَّومِ بَعدَ قيامِ اللَّيلِ.
وفيه أنَّ مِن خَصائِصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَدَمَ نَقضِ وُضوئِه بالنَّومِ .