رَغَّبَ اللهُ تَعالى عِبادَه أن يُكثِروا مِن ذِكرِه، وبَيَّنَ لَهم سُبحانَه ما للذَّاكِرينَ عِندَه مِنَ الجَزاءِ العَظيمِ والأجرِ الكَبيرِ، وفضائِلُ الذِّكرِ كَثيرةٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وأنواعُ الأذكارِ الوارِدةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّنَّةِ مُتَعَدِّدةٌ ومُتَنَوِّعةٌ؛ فمِنها الأذكارُ المُطلَقةُ غَيرُ المُقَيَّدةِ، ومِنها الأذكارُ المُقَيَّدةُ بأحوالٍ مُعَيَّنةٍ وأماكِنَ مُعَيَّنةٍ، ومِن تلك الأذكارِ الذِّكرُ عِندَ إرادةِ دُخولِ قَريةٍ ما، كما في حَديثِ صُهَيبٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فعن أبي سُهَيلِ بنِ مالِكٍ، عن أبيه أنَّه كان يَسمَعُ قِراءةَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه وهو يَؤُمُّ النَّاسَ في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن دارِ أبي جُهَيمٍ، وقال كَعبُ الأحبارِ، وهو أحَدُ التَّابِعينَ: والذي فلَقَ البَحرَ لموسى. وإنَّما حَلَف كَعبٌ بالذي فلَق البَحرَ لموسى لأنَّها كانت دَعَواتِ داوُدَ عليه السَّلامُ حينَ يَرى العَدوَّ، إنَّ صُهَيبًا رَضِيَ اللهُ عنه حَدَّثَني أنَّ مُحَمَّدًا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَرَ قَريةً -وهيَ: اسمٌ للمَوضِعِ الذي يَجتَمِعُ فيه النَّاسُ مِنَ المَساكِنِ والأبنيةِ، وقد تُطلقُ على المُدُنِ- يُريدُ دُخولَها إلَّا قال حينَ يَراها: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ السَّبعِ وما أظلَلنَ -مِنَ الإظلالِ، أي: ما ارتَفعَت عليه وعَلَت وكانت له كالظُّلَّةِ، فأظَلَّت ما تَحتَها مِنَ النُّجومِ والشَّمسِ والقَمَرِ وساكِني الأرضِ- ورَبَّ الأرَضينَ السَّبعِ وما أقلَلْنَ -أي: ما حَمَلَته على ظَهرِها مِنَ النَّاسِ والدَّوابِّ والأشجارِ وغَيرِ ذلك- ورَبَّ الشَّياطينِ وما أضلَلنَ. مِنَ الإضلالِ، وهو الإغواءُ، ورَبَّ الرِّياحِ وما ذَرَينَ، أي: أطارَته، فإنَّا نَسألُك خَيرَ هذه القَريةِ، أي: نَفسِها، بأن تَجعَلَها مُبارَكةً علينا نَقومُ فيها بالطَّاعةِ والعِبادةِ ونَسكُنُ فيها بالسَّلامةِ والعافيةِ، وخَيرَ أهلِها، أي: مِنَ العُلَماءِ والصَّالحينَ، وما عِندَهم مِنَ الإيمانِ والصَّلاحِ والاستِقامةِ والتَّعاوُنِ على الخَيرِ، ونَعوذُ بك، أي: نَلجَأُ إلَيك ونَعتَصِمُ مِن شَرِّها، وشَرِّ أهلِها، وشَرِّ ما فيها. ففيه تَعَوُّذٌ باللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن جَميعِ الشُّرورِ والمُؤذياتِ، سَواءٌ في القَريةِ نَفسِها أو في السَّاكِنينَ لَها، أو فيما احتَوت عليه. وجاءَ في رِوايةٍ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال هذا الدُّعاءَ عِندَما أشرَف على خَيبَرَ، وكان يَقولُه لكُلِّ قَريةٍ دَخَلَها.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ قَولِ هذا الدُّعاءِ عِندَ إرادةِ دُخولِ قَريةٍ أو بَلدةٍ ما.
وفيه سُؤالُ العَبدِ للهِ تعالى أن يَجعَلَ القَريةَ التي يَدخُلُها مُبارَكةً عليه، وأن يَمنَحَه مِن خَيرِها، وأن يُيَسِّرَ له السُّكنى فيها بالسَّلامةِ والعافيةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّعَوُّذِ مِن جَميعِ الشُّرورِ والمُؤذياتِ.
وفيه التَّوسُّلُ في الدُّعاءِ برُبوبيَّةِ اللهِ تعالى.
وفيه مَشروعيَّةُ الحَلِفِ بقَولِ: والذي فلَقَ البَحرَ لموسى.
وفيه إثباتُ أنَّ الأرَضينَ سَبعٌ كالسَّمَواتِ .