انتَشَرَتِ الفُتوحاتُ الإسلاميَّةُ في عَهدِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ، ففُتِحَت كَثيرٌ مِنَ البُلدانِ، ومِنها بلادُ تُستَرَ، وهيَ مَدينةٌ عَظيمةٌ مِن مُدُنِ فارِسَ، افتَتَحَها المُسلمونَ في عَهدِ أميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه سَنةَ سَبعَ عَشرةَ مِنَ الهجرةِ، بقيادةِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه، ومِمَّا جاءَ في أحداثِ تلك المَعرَكةِ أنَّ الصَّحابةَ وجَدوا سَريرًا عليه رَجُلٌ يُدعى دانيالَ، قيلَ: إنَّه نَبيٌّ، وقيلَ: رَجُلٌ صالحٌ، ووجَدوا مَعَه خاتَمًا نُقِش عليه صورةُ أسَدٍ ولَبْوةٍ، وهيَ أُنثى الأسَدِ، يَلحَسانِ دانيالَ! فسَألَ أبو موسى رَضيَ اللهُ عنه عُلَماءَ تلك القَريةِ عن نَقشِ ذلك الخاتَمِ، أي: عن قِصَّةِ هذا النَّقشِ والصُّوَرِ التي عليه، فقالوا: إنَّ المَلِكَ الذي كان دانيالُ في سُلطانِه، أي: في عَهدِه، جاءَه المُنَجِّمونَ وأصحابُ العِلمِ، أي: الذينَ عِندَهم عِلمٌ ومَعرِفةٌ بالكُتُبِ السَّابقةِ وما سَيَكونُ مِنَ الأحداثِ، فقالوا للمَلِكِ: إنَّه سيُولدُ لَيلةَ كَذا وكَذا غُلامٌ، يَعورُ، أي: يُهلِكُ مُلكَك ويُفسِدُه، أي: يَكونُ على يَدَيه نِهايةُ مُلكِك، فقال المَلِكُ: واللهِ لا يَبقى تلك اللَّيلةَ غُلامٌ إلَّا قَتَلتُه، فأخَذَ القَومُ دانيالَ فألقَوه في أجَمةِ الأسَدِ، أي: بَيتِ الأسَدِ، فباتَ الأسَدُ ولَبْوتُه يَلحَسانِ دانيالَ ولم يَضُرَّاه بأذًى! فجاءَت أمُّ دانيالَ فوجَدَتِ الأسَدَ واللَّبُوةَ يَلحَسانِه، فنَجَّاه اللهُ بذلك، حَتَّى بَلغَ دانيالُ ما بَلَغَ، فلمَّا كان ذلك نَقَش دانيالُ صورَته وصورةَ الأسَدَينِ يَلحَسانِه، في فصِّ خاتَمِه! والفَصُّ: ما يُركَّبُ في الخاتَمِ مِنَ الحِجارةِ الكَريمةِ وغَيرِها؛ لئَلَّا يَنسى نِعمةَ اللهِ عليه في ذلك.
وفي الحَديثِ إثباتُ دانيالَ ووُجودُه وأنَّه حَقيقةٌ.
وفيه مُشابَهةُ قِصَّةِ دانيالَ مَعَ ذلك المَلكِ بقِصَّةِ موسى عليه السَّلامُ مَعَ فِرعَونَ في كَونِ مُلكُهم يَكونُ نِهايَتُه على يَدَي غُلامٍ.
وفيه حِفظُ اللهِ تعالى لدانيالَ.
وفيه أنَّ الحَيَواناتِ المُفتَرِسةَ يُسَخِّرُها اللهُ تعالى ويَجعَلُها أليفةً وقتَ ما يُريدُ سُبحانَه.
وفيه مَشروعيَّةُ نَقشِ الصُّورِ في شَريعةِ مَن قَبلَنا.
وفيه شُكرُ اللهِ تعالى على نِعَمِه على عَبدِه.
وفيه مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ الإنسانِ ما يُذَكِّرُه بنِعَمِ اللهِ عليه حَتَّى لا يَنساها .