جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأمَّةِ، أثنى اللهُ تعالى عليهم، ومَدَحَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَيَّنَ فضلَهم في أحاديثَ كَثيرةٍ؛ وذلك لِما قاموا به من نُصرةِ هذا الدِّينِ وتَعَلُّمِ العِلمِ وتَبليغِه إلى مَن بَعدَهم، ونَشرِهمُ الإسلامَ، وإنَّ مَن أفاضِلِ أولئِكَ الصَّحابةِ الصَّحابيَّ الجَليلَ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه ابنَ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهو مِن أوائِلِ مَن أسلَمَ، ورُبِّيَ في حِجرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَم يُفارِقْه، وشَهدَ مَعَه المَشاهِدَ إلَّا غَزوةَ تَبوكَ، فقال له بسَبَبِ تَأخيرِه له بالمَدينةِ: ألَا تَرضى أن تَكونَ مِنِّي بمَنزِلةِ هارونَ مِن موسى؟! وفضائِلُه كَثيرةٌ جدًّا، وزَوَّجَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابنَتَه فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، وذلك أنَّ عَليًّا عِندَما أرادَ الزَّواجَ، قال له نَفَرٌ. والنَّفرُ: جَماعةٌ مِنَ الرِّجالِ خاصَّةً ما بَينَ الثَّلاثةِ إلى العَشَرةِ، مِنَ الأنصارِ: عِندَك فاطِمةُ، أي: إذا كُنتَ تُريدُ الزَّواجَ فعليك بفاطِمةَ. فمَن مِثلُها؟! وهيَ ابنةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتى عَليٌّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكَي يَخطُبَ فاطِمةَ، فسَلَّمَ عليه، فقال له رَسولُ اللهِ: ما حاجةُ ابنِ أبي طالبٍ؟ فقال عَليٌّ: يا رَسولَ اللهِ، فاطِمةُ بنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أطلُبُ وأُريدُ الزَّواجَ مِن فاطِمةَ، فرَحَّبَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال له: مَرحَبًا أي: لَقِيتَ رُحبًا وسَعةً، وأهلًا، أي: صادَفْتَ أهلًا ونَزَلَت مَنزِلةَ الرَّجُلِ في أهلِه الذي يَكونُ في نُزولِه عِندَهم راحَتُه، ولَم يَزِدْه عليها، فخَرَجَ عَليٌّ على أولئك الرَّهطِ، أي: الجَماعةِ مِنَ الأنصارِ، وهم يَنتَظِرونَه، فقالوا: ما وراءَك؟ أي: ماذا رَدَّ عليك رَسولُ اللهِ. فقال عَليٌّ: ما أدري، ولَكِنَّه قال لي: مَرحَبًا وأهلًا. قالوا: يَكفيك مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحداهما؛ أعطاك الأهلَ، وأعطاك المَرحَبَ! فلَمَّا كان بَعدَ ذلك بَعدَما زَوَّجَه، قال رَسولُ اللهِ: يا عَليُّ، إنَّه لا بُدَّ للعُرسِ مِنَ الوَليمةِ. وهيَ طَعامُ العُرسِ. وكان عَليٌّ فقيرًا ليس مَعَه شَيءٌ، فقال سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ: عِندي كَبشٌ، وجَمع له رَهطٌ مِنَ الأنصارِ آصُعًا. جَمعُ صاعٍ، والصَّاعُ: يُعادِلُ أربَعةَ أمدادٍ، ومِقدارُه حاليًّا 2.176 كيلوجرامًا، مِن ذُرةٍ، فلَمَّا كان لَيلةُ البِناءِ، أي: لَيلةُ دُخولِه على زَوجَتِه، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُحدِثْ شَيئًا، أي: لا تَفعَلْ شيئًا مَعَ أهلِك حَتَّى تَلقاني، فجاءَ رَسولُ اللهِ ودَعا بماءٍ، فتَوضَّأ مِنه، ثُمَّ إنَّه أفرَغَه، أي: الماءَ، على عَليٍّ، وقال: اللهُمَّ بارِكْ فيهما، أي: في عَليٍّ وفاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وبارَك عليهما، وبارَك في نَسلِهما، أي: ذَرِّيَّتِهما.
وفي الحَديثِ دَلالةُ الأصحابِ لصاحِبِهم بمَن يَتَزَوَّجُها.
وفيه مَشروعيَّةُ تَقديمِ السَّلامِ قَبلَ طَلَبِ الحاجةِ.
وفيه التَّرحيبُ بالزَّائِرِ.
وفيه تَفهيمُ الصَّاحِبِ لصاحِبِه ما قد يَخفى عليه مِن مَعاني بَعضِ العِباراتِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الوَليمةِ في العُرسِ.
وفيه مُساعَدةُ المُقبِلِ على الزَّواجِ.
وفيه مَشروعيَّةُ الدُّعاءِ للمُتَزَوِّجينَ.
وفيه فَضلُ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفيه بَرَكةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .