إنَّ مِنَ الأعمالِ الفاضِلةِ العَظيمةِ بِرَّ الوالدَينِ والإحسانَ إليهما؛ فقد وصَّى اللَّهُ تعالى بالوالدَينِ، وقَرَنَ ذلك بعِبادَتِه في آياتٍ كَثيرةٍ في القُرآنِ؛ قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
[النساء: 36] ، وأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَزيلِ الأجرِ والثَّوابِ على برِّ الوالدَينِ؛ وذلك لِما قامَ به الوالِدانِ مِنَ العِنايةِ والرِّعايةِ بأبنائِهم، ولِما تَحمَّلاه مِنَ المَشاقِّ في سَبيلِ تَربيَتِهم، لا سيَّما الأُمِّ؛ فالبِرُّ بها آكَدُ، وليس هناكَ عَمَلٌ يُقَرِّبُ إلى اللهِ مِن بِرِّ الوالدةِ، كما قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما؛ فقد جاءَه رَجُلٌ فقال: إنِّي خَطَبتُ امرَأةً، أي: طَلَبَ مِنها الزَّواجَ، فأبَت أن تَنكِحَني، أي: امتَنَعَت ولَم تَقبَلْ خِطبَتَه، فخَطَبَها رَجُلٌ غَيري، فأحَبَّت أن تَنكِحَه، ووافقَت، فغِرْتُ عليها، أي: أخَذَتْني الحَميَّةُ والغَضَبُ كَراهيةَ أن يُشارِكَني فيها أحَدٌ، فقَتَلتُها. فهَل لي مِن تَوبةٍ؟! فقال ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: أُمُّك حَيَّةٌ؟ أي: هل أمُّك ما زالَت على قَيدِ الحَياةِ؟ فقال الرَّجُلُ: لا. فقال ابنُ عَبَّاسٍ: تُبْ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَقَرَّبْ إليه ما استَطَعتَ، أي: اطلُبْ قُربةَ اللَّهِ تعالى بالطَّاعةِ والذِّكرِ؛ لَعَلَّ ذلك يُكَفِّرُ الذَّنبَ الذي اقتَرَفتَه مِن قَتلِ النَّفسِ بغَيرِ حَقٍّ. يَقولُ عَطاءُ بنُ يَسارٍ، وهو أحَدُ التَّابِعينَ مِن تَلاميذِ ابنِ عَبَّاسٍ: فذَهَبتُ فسَألتُ ابنَ عَبَّاسٍ: لمَ سَألتَه عَن حَياةِ أُمِّه؟ فقال ابنُ عَبَّاسٍ: إنِّي لا أعلَمُ عَمَلًا أقرَبَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن بِرِّ الوالدةِ، أي: لو أنَّ والدَتَه كانت حَيَّةً لَكان برُّه بها تَكفيرًا له عن هذا الذَّنبِ العَظيمِ الذي ارتَكَبَه؛ لِما في بِرِّ الوالدةِ مِنَ الأجرِ الكَبيرِ والثَّوابِ الجَزيلِ.
وفي الحَديثِ خُطورةُ القَتلِ.
وفيه أنَّ مَنِ ارتَكَبَ ذَنبًا فعليه المُبادَرةُ بالتَّوبةِ والإكثارُ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ.
وفيه أنَّ القاتِلَ عَمدًا له تَوبةٌ.
وفيه فَضلُ بِرِّ الوالدَينِ.
وفيه أنَّ مِنَ الأعمالِ المُقَرِّبةِ إلى اللهِ تعالى بِرَّ الوالدةِ .