يَحكي الصَّحابيُّ الجَليلُ مُعاويةُ بنُ حَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد حَلف بعَدَدِ أصابعِ يَدَيه حتَّى يُخبرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَ بَعَثَه اللهُ به؟ كما جاءَ ذلك مبيَّنًا في الرِّوايةِ الأخرى، فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك فقال: بَعَثَني اللهُ تَبارَكَ وتعالى بالإسلامِ، أي: بالاستِسلامِ للَّهِ والخُضوعِ لدينِه والانقيادِ لأمرِه سُبحانَه وتعالى. ثمَّ سَأل مُعاويةُ عن مَعنى الإسلامِ، فقال: وما الإسلامُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الإسلامُ هو شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، أي: بأن تُؤمنَ وتَعلمَ أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللَّهُ تعالى، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، أرسَله اللهُ تعالى للأمَّةِ كافَّةً، يَجِبُ طاعَتُه واتِّباعُ أمرِه، وتُقيمَ الصَّلاةَ بأن تَأتيَ بها كما أمر اللَّهُ في أوقاتِها وبشُروطِها وأركانِها وسُنَنِها، وتُؤتيَ الزَّكاةَ في مالِك متى بلغَ النِّصابَ، ثمَّ بَيَّنَ له أنَّ كُلَّ مُسلِمٍ على مُسلمٍ مُحرَّمٌ، كما جاءَ موضَّحًا في الرِّوايةِ الأخرى، وأنَّهما أخَوانِ نصيرانِ، أي: مُتَعاضِدانِ مُتَعاوِنانِ، وأنَّ كُلَّ أخٍ منهم نَصيرٌ لأخيه. ثمَّ بَيَّنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ تعالى لا يَقبَلُ من أحَدٍ تَوبةَ شَخصٍ أشرَك بَعدَ إسلامِه، والظَّاهِرُ: أنَّه لا يَقبلُ تَوبةَ المُرتَدِّ، فيُحمَلُ على أنَّه لا يوفَّقُ لذلك غالبًا. ثمَّ بَعدَ أن أجابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعاويةَ عنِ الإسلامِ وأمرِ هذا الدِّينِ، سَأله مُعاويةُ عن بَعضِ الأحكامِ التي تَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ الزَّوجيَّةِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ما حَقُّ زَوجِ أحَدِنا عليه؟ أي: ماذا يَجِبُ عليَّ منَ الحَقِّ الواجِبِ نَحوَ زَوجَتي؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تُطعِمُها إذا أكَلتَ، أي: بأن يُنفِقَ عليها، فيُطعِمَها من طَعامِه إذا طَعِمَ، ويَكسوَها إذا اكتَسى، وليس في ذلك حَدٌّ مَعلومٌ، وإنَّما هو على المَعروفِ وعلى قَدرِ وُسعِ الزَّوجِ، وأن يُعاشِرَها بالمَعروفِ فلا يَضرِبَ الوجهَ إذا أرادَ تَأديبَها؛ فإنَّ الوجهَ من أشرَفِ الأعضاءِ، وقد جاءَ النَّهيُ عن ضَربِ الوَجهِ مُطلَقًا، "ولا تُقَبِّحْ" بأن يَقولَ لزَوجَتِه قولًا قبيحًا أو يَشتُمَها، أو يَقولَ: قَبَّحَكِ اللهُ، ونَحوَ ذلك؛ فكُلُّ هذا ليس من حُسنِ المُعاشَرةِ، ولا يهجُرْها إلَّا في البَيتِ، أي: في المَضجَعِ بأن يُضاجِعَها ويولِّيَها ظَهرَه أو يَتَحَوَّلَ عنها إلى مَضجَعٍ آخَرَ، ولا يُحَوِّلَها إلى دارٍ أخرى.
ثمَّ ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعضَ أهوالِ يَومِ القيامةِ وما يَكونُ فيها، وكَيفيَّةَ المَحشَرِ، فقال: هَهنا تُحشَرونَ، هَهنا تُحشَرونَ، هَهنا تُحشَرونَ، أي: الشَّامُ، كما جاءَ في رِوايةٍ أخرى، أنَّه أشارَ بيَدِه إلى الشَّامِ، ثمَّ ذَكَرَ ثَلاثةَ أنواعٍ لكَيفيَّةِ الحَشرِ: فمِنَ النَّاسِ مَن يُحشَرونَ رُكبانًا على الإبِلِ، ومنهم مَن يُحشَرونَ مُشاةً على أرجُلِهم، ومنهم مَن يُحشَرونَ على وُجوهِهم، واللهُ تعالى قادِرٌ على ذلك؛ فمَن أمشاه على رِجلَيه قادِرٌ على أن يَحشُرَه على وَجهِه. ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بفضيلةِ هذه الأمَّةِ وأنَّهم يُوفونَ يَومَ القيامةِ سَبعينَ أمَّةً، وأنَّ هذه الأمَّةَ آخِرُ الأمَمِ وهي أكرَمُها على اللهِ تَبارَكَ وتعالى. وأنَّهم يَأتونَ يَومَ القيامةِ وعلى أفواههمُ الفِدامُ، وهو ما يُشَدُّ على فَمِ الإبريقِ من خِرقةٍ لتَصفيةِ الشَّرابِ الذي فيه، أي: أنَّهم يُمنَعونَ الكَلامَ بأفواهِهم حتَّى تَتَكَلَّمَ جَوارِحُهم، فشَبَّه ذلك بالفِدامِ، وأنَّ أوَّلَ ما يُعرِبُ عن أحَدِكُم، أي: يَتَكَلَّمُ ويَنطِقُ منَ الإنسانِ وقتَ الحِسابِ فَخِذُه، فيَتَكَلَّمُ بما عَمِلَ صاحِبُه.
وفي الحَديثِ أنَّ أساسَ بَعثةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو التَّوحيدُ والدَّعوةُ إلى الشَّهادَتَينِ.
وفيه أهَمِّيَّةُ إقامةِ الصَّلاةِ.
وفيه أهَمِّيَّةُ إيتاءِ الزَّكاةِ.
وفيه بَيانُ حُرمةِ المُسلمِ على أخيه المُسلمِ.
وفيه لُزومُ نَفقةِ الزَّوجةِ على زَوجِها.
وفيه النَّهيُ عن ضَربِ الزَّوجةِ في وَجهِها.
وفيه النَّهيُ عنِ التَّقبيحِ للزَّوجةِ.
وفيه النَّهيُ عن هَجرِ الزَّوجةِ إلَّا في البَيتِ.
وفيه بَيانُ كَيفيَّةِ المَحشَرِ يَومَ القيامةِ.
وفيه أنَّ منَ الإيمانِ الإيمانَ بما يَكونُ في اليَومِ الآخِرِ.
وفيه فضلُ هذه الأمَّةِ وأنَّها أكرَمُ الأمَمِ عِندَ اللهِ تعالى.
وفيه بَيانُ أوَّلِ ما يَتَكَلَّمُ منَ الإنسانِ يَومَ القيامةِ، وهو فَخِذُه.