كانَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يتأمَّلونَ في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَكانُوا حَريصينَ على نقلِ هَيْئتِه لِمَن بَعدَهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ ثابتٌ البُنانيُّ أنَّ أنَسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه سُئِل عن خِضَابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والخِضَابُ: تَغْيِيرُ لَوْنِ الشَّعرِ عن البَيَاضِ، فأَخْبَر أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ البَيَاضَ في شَعرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قليلًا، وقولُه: «أعُدُّ» كِنايةٌ عن قِلَّةِ الشَّعرِ الأبيض عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ولم يَبلُغْ حدًّا يَجعَلُه يُغيِّرُه بالصَّبْغِ، والشَّمَطَاتُ: الشَّعَرَاتُ البِيضُ الَّتي يُجاوِرُها غيرُها مِن الشَّعرِ الأسودِ، وهي ابتِداءُ الشَّيبِ.
وأخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه قد اختَضبَ بخَليطٍ بينَ الحِنَّاءِ والكَتَمِ، والكَتَمُ: نَبْتٌ يُصبَغُ به، وصَبغُه أصْفرُ، وقيلَ: مائلٌ للحُمرةِ، وأيضًا اخْتضَبَ عُمرُ بالحِنَّاءِ خالِصة ولم يَخلِطْها بغيرِها.
وقدْ ورَدَ عِندَ أبي داودَ مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُصفِّرُ لِحيَتَهُ بالوَرْسِ والزَّعْفرانِ، والوَرْسُ: نَباتٌ كالسِّمْسمِ أصفَرُ، والزَّعْفرانُ: نَباتٌ ذو لَونٍ ورائِحةٍ طيِّبةٍ. وممَّا قيلَ في الجَمعِ بيْنَ هذه الأحاديثِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رُبَّما كان يَستعمِلُ الوَرْسَ والزَّعفرانَ للتَّنظيفِ والتَّطيُّبِ، فيَبقَى أثَرُه عليه، ولم يَكُنْ يَستَعمِلُه في الصَّبغِ، أوْ لم يتَّفقْ لأنَسٍ أنَّه رآهُ وهو مُخضَّبٌ، ويُحمَلُ حَديثُ مَن أثبَتَ الخِضابَ على أنَّه فَعَلَهُ لِبَيانِ الجَوازِ ولم يُواظِبْ عليه.
وفي الحديثِ: بيانُ بَعضِ شمائلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصِفاتِه، وأنَّه لم يَشِبْ مِن شَعَرِه إلَّا شُعيراتٌ، ولم يَصبُغْ شَعرَه.
وفيه: صَبغ الشَّيبِ وتَغييرِه بالحِنَّاءِ والكَتَمِ.