القَبرُ هو مُستقَرُّ كلِّ ميِّتٍ، وفيه تَحدُثُ أحْوالٌ غَيبيَّةٌ، مِثلُ سُؤالِ الملَكَينِ للعَبدِ، والنَّعيمِ، والعَذابِ الَّذي يقَعُ له حسَبَ حالِه منَ الصَّلاحِ، أوِ الفَسادِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تَشْييعِ جِنازةٍ، وهي اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ، فوَعَظَهمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهم أنَّ الميِّتَ الكافِرَ إذا دخَل قَبْرَه يُضرَبُ ضَربةً بيْنَ عَينَيْه، يَضرِبُه ملَكٌ موَكَّلٌ مِن اللهِ، فيَسمَعُ الضَّربةَ كلُّ دابَّةٍ «غيْرَ الثَّقلَينِ» الإنسَ والجنَّ، فلا يَسمَعونَ صَوتَ هذه الضَّربةِ، فإذا سَمِعَتِ الدَّوابُّ صوْتَ هذا الضَّربِ، عَلِمَت أنَّه كافرٌ؛ فتَلعَنُه كلُّ دابَّةٍ سَمِعَت صَوتَه، فذلك قولُ اللهِ تعالَى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
[البقرة: 159] ، يَعني: دَوابَّ الأرْضِ همُ اللَّاعِنونَ للكافِرِ المَضْروبِ.
ولَعنةُ اللهِ تعالَى للكافِرِ تَتضمَّنُ ذمَّه، وإبْعادَه، وبُغضَه، وطَرْدَه مِن رَحمةِ اللهِ، ولَعنةُ العَبدِ تَتضمَّنُ سُؤالَ اللهِ تعالَى أنْ يَفعَلَ ذلك بمَن هو أهْلٌ للَعنَتِه.
وهذا الجُزءُ مِن الآيةِ ورَد في سِياقِ قَولِه تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ}
[البقرة: 159] ، وهي وإنْ كانت في أهْلِ الكِتابِ لكنَّ العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّببِ؛ ففي الآيةِ تَنبيهٌ وتَحذيرٌ لمَن فعَل فِعلَهم، وسَلَك سَبيلَهم، وأصرَّ على الكُفرِ والضَّلالِ.