للصَّلاةِ مَواقيتُ مُحدَّدةٌ علَّمَها جِبريلُ عليه السَّلامُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلَّمَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم، وعلَّمَها الصَّحابةُ لمَن بعْدَهم، معَ الحثِّ على المُبادَرةِ إلى الصَّلاةِ في أوَّلِ الوَقتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ الجَليلُ رافعُ بنُ خَديجٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال مرَّةً لمُؤذِّنِه بِلالِ بنِ رَباحٍ رَضيَ اللهُ عنه: «أسْفِرْ بصَلاةِ الصُّبحِ»؛ أيِ: انتَظِرْ حتَّى اسْتِبانةِ الأُفقِ وإنارَتِه لإقامةِ الصَّلاةِ، «حتَّى يَرى القَومُ مَواقِعَ نَبْلِهم»، ومَواقِعُ النَّبْلِ هي المَواضِعُ الَّتي تَصِلُ إليها السِّهامُ إذا رُميَ بها، ومُقْتَضاهُ تَأخيرُ الصَّلاةِ حتَّى يُنوِّرَ ضَوءُ النَّهارِ، ويَرى القَومُ مِن بَعيدٍ مَواقِعَ السِّهامِ إذا رُميَتْ.
وقيلَ: لعلَّه يَحتَمِلُ أنَّه حِينَ أمَرَهم بتَغْليسِ صَلاةِ الفَجرِ أمَر بتَأْخيرِها إلى أنْ يَطلُعَ الفَجرُ الثَّاني، وهو الفَجرُ الصَّادِقُ ويَتحقَّقُ، ويُؤيِّدُ ذلك أنَّه قال لبِلالٍ: «حتَّى يَرى القَومُ مَواقِعَ نَبْلِهم»، ولا يرَوْنَها إلَّا وقدْ أسفَرَ جدًّا.
وقيلَ: الأمرُ بالإسْفارِ خاصٌّ باللَّيالي المُقمِرةِ؛ لأنَّ أوَّلَ الصُّبحِ لا يَتبيَّنُ فيها، فأُمِروا بالإسْفارِ احْتياطًا.
وقدْ أخرَجَ أبو داودَ مِن حَديثِ أبي مَسعودٍ الأنْصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أسفَرَ بالصُّبحِ مرَّةً، ثمَّ كانت صَلاتُه بعْدَ ذلك التَّغْليسَ حتَّى ماتَ»؛ أي: ثمَّ كانت عادَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ الفَجرِ أنْ يُصلِّيَها في وَقْتِ الغَلَسِ في أوَّلِ وَقتِها، ولم يُصلِّها بعْدَ ذلك في وَقتِ الإسْفارِ، وإنَّما فعَلَه مرَّةً لبَيانِ جَوازِ الصَّلاةِ في هذا الوَقتِ.
وعلى هذا فالأفضَلُ تَعْجيلُ الصُّبحِ في أوَّلِ وَقتِها إذا تَحقَّقَ طُلوعُ الفَجرِ، وهو التَّغْليسُ، ويَمتَدُّ وَقتُ صَلاةِ الفَجرِ اخْتيارًا إلى طُلوعِ الشَّمسِ.