الموسوعة الحديثية


- عن مُطَرِّفٍ، قال: قُلْنا للزُّبَيرِ رضِيَ اللهُ عنه: يا أبا عبدِ اللهِ، ما جاء بكُم؟! ضيَّعْتُم الخليفةَ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ جِئْتُم تَطلُبون بدَمِه! قال الزُّبَيرُ رضِيَ اللهُ عنه: إنَّا قرَأْناها على عهْدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ رضِيَ اللهُ عنهم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، لمْ نكُنْ نَحسِبُ أنَّا أهْلُها حتَّى وقَعَتْ مِنَّا حيثُ وقَعَتْ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
الراوي : غيلان بن جرير | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 3/9
| التخريج : أخرجه البزار (976) بنحوه، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (18/405) باختلاف يسير، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (872)
التصنيف الموضوعي: أشراط الساعة - أمارات الساعة وأشراطها تفسير آيات - سورة الأنفال فتن - ظهور الفتن فتن - عذاب العامة بعمل الخاصة أشراط الساعة - علامات الساعة الصغرى
|أصول الحديث
تَرتَّبَ على قَتلِ أميرِ المؤمِنينَ عُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه فِتْنةٌ عَظيمةٌ، تَسبَّبَت في حُدوثِ نِزاعاتٍ وحُروبٍ بيْنَ المُسلِمينَ طَوالَ خِلافةِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ مُطرِّفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ أنَّه هو وأصْحابُه قالوا للزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه: «يا أبا عبدِ اللهِ، ما جاء بكم» للقِتالِ يومَ الجَملِ معَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وقدْ ضيَّعْتمُ الخَليفةَ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، وترَكْتُموه للخَوارِجِ حتَّى قَتَلوه، ثمَّ جِئْتم تُطالِبونَ بدَمِه، وتُقاتِلونَ عَليًّا ومَن معه؛ لأنَّهم لم يَأخُذوا بالقِصاصِ ممَّن قتَلَه؟! وهذا تَصوُّرُ مُطرِّفٍ ورَأيُه، وليْس الحَقيقةَ الواقِعيَّةَ؛ لأنَّه كان يَرى أنَّه كان يَجِبُ على المُتَواجِدينَ مع عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُدافِعوا عنه مهْما كلَّفَهمُ الأمرُ.
فأوضَحَ له الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الأمرَ مُلتَبِسٌ، وأنَّهم يَنطَبِقُ عليهم قولُ اللهِ تعالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ، والمَعنى: احْذَروا فِتْنةً إنْ نزَلَت بكمْ لم تَقتَصِرْ على الظَّالِمِ خاصَّةً؛ بلْ تَتعَدَّى إليكم جَميعًا، وتَصِلُ إلى الصَّالِحِ والطَّالِحِ، وأرادَ بالفِتْنةِ الابْتِلاءَ والاخْتِبارَ.
وقدْ أمَرَ اللهُ المؤمِنينَ ألَّا يُقِرُّوا المُنكَرَ بيْنَ أظْهُرِهم فيَعُمَّهمُ العَذابُ، وهذا يُشيرُ إلى أنَّ الآيةَ ليْست خاصَّةً بالصَّحابةِ؛ بل هي عامَّةٌ لجَميعِ الأُمَّةِ في كلِّ زمانٍ.
وقدْ نزَلَت هذه الآيةُ في أهلِ بَدرٍ خاصَّةً، فأصابَتْهم يومَ الجَملِ؛ ولذلك أخبَرَ الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم قَرَؤوا هذه الآيةَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ رَضيَ اللهُ عنهم، فقَرَؤوها زَمانًا طَويلًا، ولكنَّهم لم يَكونوا يَحسَبونَ أنْفُسَهم مِن أهْلِ هذه الفِتْنةِ الَّتي يُمكِنُ أنْ تُصيبَهم، حتَّى وقَعَت فيهم فِتْنةُ مَقتَلِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، ووَقَعوا فيها حيث وقَعَت.
ولعلَّ مَعنى كَلامِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ فِتْنةَ مَقتَلِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه لمَّا وقَعَت -وكان البَعضُ قادِرًا على النَّهيِ عنِ الخُروجِ عليه- وقدْ قام كَثيرٌ منَ الصَّحابةِ بهذه المُهمَّةِ، وبَيَّنوا للخارِجينَ الأمرَ، ووضَّحوا عَدمَ جَوازِ الخُروجِ على عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّ الخارجينَ مُخطِئونَ في ذلك، ولكنْ لمَّا لم يَسمَعِ الخارِجونَ لهذا الكَلامِ، وكثُر عَدَدُهم فغَلَبوا على عُثمانَ ومَن معَه، فوقَعَتِ الفِتنةُ والظُّلمُ عليه، ثمَّ بعْدَ ذلك عمَّتِ الفِتنةُ على جَميعِ المُسلِمينَ الصَّالِحِ منهم والطَّالِحِ، فحَقَّ عليهم مَعنى الآيةِ الكَريمةِ، وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يَنبَغي لأحدٍ مهْما بلَغَ مِن الإيمانِ والتَّقْوى أنْ يَأمَنَ على نَفْسِه مِن أنْ يُصيبَه بَلاءٌ لا دَخْلَ له فيه، وذلك إذا كثُر الفَسادُ والظُّلمُ ولم يَنْهَ أحدٌ عنه؛ فهذا مَظِنَّةُ البَلاءِ العامِّ، والمُصيبةِ العامَّةِ.
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها