كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ قدِمَ إلى المَدينةِ يَستعينُ بأصْحابِ المِهَنِ في بِناءِ المسجِدِ، وصِناعةِ المِنبَرِ، وغيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ طَلْقُ بنُ عليٍّ الحَنَفيُّ رضِيَ اللهُ عنه -وكان قَدِمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العامِ الأوَّلِ مِنَ الهِجْرةِ، ووَقْتَ بِنائِهِ للمسجِدِ-أنَّه شارَكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحابَهُ رضِيَ اللهُ عنهم في بِناءِ المسجِدِ. وقيلَ: إنَّه قدِمَ معَ وفْدِ بَنِي حَنيفةَ، فشارَكَ في بِناءِ التَّوسِعةِ لا التَّأسيسِ.
وعلى رأْسِ تلكَ الأعمالِ الَّتي ساهَمتْ في البناءِ أو التَّوسِعةِ صِناعةُ أَحْجارِ البناءِ ونَقْلُها، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «قرِّبِ اليَمامِيَّ مِنَ الطِّينِ»؛ وهو المادَّةُ الَّتي يُصنَعُ منها أَحْجارُ البناءِ، والمُرادُ باليَماميِّ: طَلْقٌ رضِيَ اللهُ عنه؛ نِسبةً إلى اليَمامةِ؛ وهي بَلْدةٌ تقَعُ وسَطَ الجزيرةِ العربيَّةِ، بيْنَ مِنطَقتَيْ نَجْدٍ والبَحْرينِ، وهي الآنَ ضِمْنَ محافظةِالخرجِ.
وفي رِوايةِ الطَّبَرانيِّ: «فلمَّا رأَيتُ عمَلَهُم أخَذتُ أُحذِقُ المِسْحاةَ، فخَلَطْتُ بها الطِّينَ، فكأنَّهُ أعجَبَهُ أَخْذي المِسْحاةَ»؛ والمعنى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا رأَى مَهارةَ طَلْقٍ في خَلْطِ الطِّينِ بالفأْسِ، وفي صِناعةِ الأَحْجارِ مِنَ الطِّينِ أمَرَ أصْحابَهُ أنْ يُفسِحوا لطَلْقٍ؛ ليَصنَعَ هو أَحْجارَ البناءِ، «فإنَّه أحسَنُكُم له مَسًّا»؛ يعني: أفضَلُكم خَلْطًا للطِّينِ، وهذا مِمَّا يُجوِّدُ الطُّوبَ المَصنوعَ منه، «وأشَدُّكُم مَنكِبًا»، وفي رِوايةِ أبي نُعَيمٍ في معرفةِ الصَّحابةِ: «وأشَدُّكُم له ساعِدًا»؛ فهو أَقْوى يَدًا، مِمَّا يَجعَلُه أقدَرَ على الخَلْطِ الجيِّدِ للطِّينِ.
وفي الحَديثِ: تَقديمُ أهْلِ كلِّ فَنٍّ في فنِّهم.