كان عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه الخَليفةَ الثَّانيَ للمُسلِمينَ، ومِنَ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْديِّينَ، وقدْ تَولَّى الخِلافةَ بعْدَ مَوتِ أبي بَكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه، وكانتْ مُدَّةُ خِلافتِه رضِيَ اللهُ عنه عشْرَ سَنَواتٍ وستَّةَ أشهُرٍ؛ حتَّى طعَنَه أبو لُؤْلؤةَ المَجوسيُّ غُلامُ المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ رضِيَ اللهُ عنه في صَلاةِ الفَجرِ، وكانتْ تلكَ الطَّعْنةُ الَّتي ماتَ بها، وكان ذلكَ في أرْبَعٍ بَقِينَ مِن ذي الحَجَّةِ سَنةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ مِنَ الهِجْرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو جُحَيفةَ وَهْبُ بنُ عبدِ اللهِ السُّوَائيُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان عندَ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه بعْدَ طَعْنِه، وكان مُسجًّى بثَوبِه؛ أي: مُغطًّى به، «قدْ قَضَى نَحْبَه»، أي: فاضَتْ رُوحُه إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، فدَخَلَ عليه علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه، فكشَفَ الثَّوبَ عن وَجْهِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ جعَلَ يَدْعو له، ويَرْثيهِ، ويَترحَّمُ عليه؛ حتَّى قال: «فواللهِ ما بَقِيَ بعْدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أنْ أَلْقى اللهَ تَعالَى بصَحيفتِه منكَ»؛ والمرادُ بها: الصَّحيفةُ الَّتي سَيُؤاخَذُ بها المرءُ في الآخِرةِ، والتي تُسجِّلُ على الإنسانِ أعْمالَه الَّتي عمِلَها في الدُّنْيا مِنَ الخَيرِ والشَّرِّ، وهذا تَزْكيةٌ مِن علِيٍّ لعُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما، ولِسِيرتِه الطَّيِّبةِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ علِيًّا كان لا يَعتقِدُ أنَّ لأحدٍ عمَلًا في ذلكَ الوقْتِ أفضَلَ مِن عمَلِ عُمَرَ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ فضْلِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه، وبَيانُ مَنْقَبةٍ ظاهرةٍ له.
وفيه: شَهادةُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم لبَعضِهم بالفضْلِ.
وفيه: رَدٌّ على الشِّيعةِ الرَّافِضةِ الَّذينَ يَسُبُّونَ عُمرَ، ويُفضِّلونَ علِيًّا عليه.
وفيه: مَشروعيَّةُ الدُّخولِ على المَيِّتِ وهو على سَريرِه، وقبْلَ دَفْنِه؛ لتَوْديعِه، والدُّعاءِ له، والتَّرحُّمِ عليه.