شرَّفَ اللهُ الأُمَّةَ الإسْلاميَّةَ وكرَّمَها بكَثيرٍ مِن الأشْياءِ الَّتي لم تَكُنْ للأُممِ السَّابِقةِ.
وفي هذا الأثَرِ يُوضِّحُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه المَقصودَ مِن قَولِه عزَّ وجلَّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
[آل عمران: 110] ، حيثُ يُخبِرُ أنَّ المَقْصودينَ بالخَيْريَّةِ في الآيةِ همُ الَّذين هاجَروا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ، وهمْ أوائلُ المُسلِمينَ الَّذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه حِين كَفَر النَّاسُ، وثَبَتوا على إيمانِهم، ثمَّ تَرَكوا أوْطانَهم بعْدَ أنْ تَخلَّوْا عن أمْوالِهم ودِيارِهم، وهاجَروا إلى المَدينةِ فِرارًا بدِينِهم، ففازوا بأوَّليَّةِ الإسْلامِ معَ أجْرِ الهِجرةِ، ثمَّ إنَّهم أمَروا بالمَعْروفِ، ودَعَوْا إلى الإسْلامِ، ونَهَوْا غيرَهم عنِ المُنكَراتِ والمَعاصي، فكانوا بذلك خيرَ طائفةٍ أُخرِجَت للنَّاسِ.
وقال العُلماءُ: إنَّ الآيةَ عامَّةٌ لكلِّ أُمَّةِ الإسْلامِ، فهمُ الَّذين وصَفَهمُ اللهُ بأنَّهم يَأمُرونَ بالمَعروفِ، ويَنهَوْنَ عنِ المُنكَرِ، وذلك مِن وَظيفةِ الأنْبياءِ والرُّسلِ، ومِن بَعدِهمُ العُلماءُ، وبذلك تتَفاضَلُ الأُمَمُ؛ ولذلك كانتْ أُمَّةُ الإسْلامِ خَيرَ أُمَّةٍ، ولا شكَّ أنَّ الأُممَ الغابِرةَ كانوا يتَساهَلونَ في الأمرِ بالمَعروفِ، والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، ويَسكُتونَ على مَن فعَلَ ذلك؛ ولذلك شنَّعَ عليهمُ الباري تعالَى في القُرآنِ الحَكيمِ في غَيرِ آيةٍ.
ويُمكِنُ الجَمعُ بيْن المَعنَيَينِ: بأنْ يكونَ المُرادُ أنَّهم أفضَلُ الأُمَمِ الَّتي اتَّبعَتِ الأنْبياءَ بما أعْطى اللهُ سُبحانَه لهذه الأُمَّةِ مِن مَنْزلةٍ، وفَضائلَ، وشَرائعَ، وأحكامٍ خاصَّةٍ بها دُونَ مَن سَبَقَها، وأفضَلُ تلك الأُمَّةِ همُ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم.