الكِبرُ، والتَّكبُّرُ، والتَّعاظُمُ على النَّاسِ مِن الصِّفاتِ الَّتي تدُلُّ على فَسادِ القُلوبِ، وهو منافٍ للإيمانِ الحَقِّ، والإيمانُ الحَقُّ عاصمٌ مِن دُخولِ النَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُوءَ عاقِبةِ الكِبرِ، وفَضْلَ الإيمانِ؛ فيُخبِرُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَدخُلُ أحدٌ النَّارَ دُخولَ خُلودٍ وهو في قَلْبِه قَدْرٌ مِنَ الإيمانِ، ولو مِثلُ الذَّرَّةِ؛ وهي الغُبارُ الدَّقيقُ الذي يَظهَرُ في الضَّوءِ، أو هي النَّملةُ الصَّغيرةُ، وهذا يدُلُّ على عِظَمِ فَضلِ الإيمانِ، وأنَّه يُنْجي مِن النَّارِ، وأنَّه لا يُدخِلُ اللهُ أحدًا الجنَّةَ وفي قَلبهِ وَزنُ ذرَّةٍ منَ الكِبْرِ، وهو التَّعاظُمُ والمُباهاةُ على النَّاسِ، وهذا يدُلُّ على أنَّ أقلَّ القَليلِ منَ الكِبرِ إذا وُجِدَ في القَلبِ كانَ سَببًا لعدَمِ دُخولِ الجنَّةِ.
وبعْدَ أنْ أوضَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، سَأَلَ رجُلٌ مِن الحاضِرينَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَهُ أنَّ الإنْسانَ بطَبْعِه يُحِبُّ أنْ يكونَ ثوبُه وحِذاؤُه حسَنًا وجَميلًا ونَظيفًا؛ فهل يُعَدُّ حُبُّ الإنسانِ أنْ يكونَ ذا هَيئةٍ جَميلةٍ ومَظهرٍ حَسنٍ مِن الكِبرِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ»، أي: هذا مِن النَّظافةِ والجَمالِ الَّذي يُحِبُّهُ اللهُ ولا يُبغِضُه ما دامَ لم يُورِثْ في القَلبِ تَرفُّعًا على النَّاسِ، وإنَّما هو مِن بَيانِ نِعمةِ اللهِ عليهِ، ثمَّ أوضَحَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَعنى الكِبرِ المَقصودِ، وهوَ بَطَرُ الحقِّ، أي: رفْضُ الحقِّ والبُعدُ عنهُ، وغَمْصُ النَّاسِ، أيِ: غَمْطُهم وغَمْزُهم واحتِقارُهم وألَّا يَراهم شَيئًا، مِن العَيبِوالازدراءِ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عنِ التَّكبُّرِ والتَّعاظُمِ على النَّاسِ، والنَّهيُ عن رَفْضِ الحقِّ والبُعدِ عنه.
وفيه: الحَثُّ على الإيمانِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الأعمالَ بأثَرِها ولو صغُرَتْ.