نَعيمُ القَبرِ وعَذابُه قدْ ثبَت بالكِتابِ وبالسُّنَّةِ، وأجمَعَتْ على ثُبوتِه الأُمَّةُ؛ فهو مَنقولٌ إلينا بالتَّواتُرِ، فعلَى المُسلِمِ أنْ يُؤمِنَ به، وأنْ يَستَعيذَ باللهِ تعالَى مِن فِتْنةِ القَبرِ وعَذابِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المؤمِنَ الَّذي ثَبَت إيمانُه، ومات عليه، ونَجا مِن فِتنةِ القَبرِ وسُؤالِ المَلَكَينِ مُنكَرٍ ونَكيرٍ؛ يكونُ مُنعَّمًا في حَديقةٍ خَضْراءَ نَضِرةٍ، ويُوسِّعُ اللهُ له قَبْرَه سَبْعينَ ذِراعًا،وفي رِوايةِ التِّرمِذيِّ: «يُفسَحُ له في قَبرِه سَبعونَ ذِراعًا في سَبعينَ»، أي: طُولًا وعَرْضًا، فيُوسِّعُ اللهُ له، أو يَأمُرُ المَلائكةَ بأنْ تُوسِّعَ لذلك الميِّتِ المُقِرِّ بالوَحْدانيَّةِ والرِّسالةِ في قَبرِه، ثمَّ يَجعَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ قَبْرَه مُنوَّرًا مُضيئًا، ويكونُ نورُ القَبرِ كالقَمرِ لَيلةَ اكتِمالِ البَدْرِ، وذلك في شِدَّةِ ضِيائِه وصَفاءِ نُورِه.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه: «أتَدْرونَ فيما أُنزِلَتْ هذه الآيةُ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
[طه: 124] ، أتَدْرونَ ما المَعيشةُ الضَّنْكةُ؟» أي: ما المَقْصودُ بها؟ فرَدَّ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم العِلمَ في ذلك إلى اللهِ ورَسولِه، فهو أعلَمُ بهذه الغَيْبيَّاتِ فقال: «عَذابُ الكافِرِ في قَبرِه»؛ فإنَّ الكافرَ يُشدَّدُ عليه العَذابُ في قَبرِه، فيكونُ في ضِيقٍ شَديدٍ، ثمَّ أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالَّذي يَملِكُ نفْسَه والمُتَصرِّفِ فيها -وهو اللهُ عزَّ وجلَّ- أنَّ اللهَ يُسلِّطُ عليه تِسعةً وتِسْعينَ تِنِّينًا، ثمَّ بيَّنَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صِفةَ هذا التِّنينِ، وهو: «سَبعونَ حيَّةً، لكلِّ حيَّةٍ سَبعُ رُؤوسٍ يَلسَعونَه، ويَخدِشونَه» بنَهْشِه وعَضِّه، ويظَلُّ على تلك الحالِ حتَّى يَبعَثَ اللهُ الخَلائقَ للحِسابِ يومَ القِيامةِ، وهذا مِن التخْويفِ والتَّحْذيرِ للكافِرِ؛ حتَّى يُدرِكَ حَقيقةَ ما هو عليه في الدُّنيا، فيَتدارَكَ ذلك بالإيمانِ.
وهذا عَذابُ الكافرِ في القَبرِ، وأمَّا عَيْشُه في الآخِرةِ فأضْيَقُ وأضْيَقُ، وأمَّا مَن طابَ عَيْشُه بعْدَ المَوْتِ، فإنَّ طِيبَ عَيْشِه لا يَنقَطِعُ.