حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه ممَّا يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ، وما يَشمَلُه مِن فِتَنٍ وعَلاماتٍ تُنذِرُ بقِيامِ السَّاعةِ؛ حتَّى نَحذَرَها، ونكونَ على بَيِّنةٍ مِن أمْرِها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سَيقَعُ بعْدَ مَوتِه فِتَنٌ «يكونُ فيها ويكونُ»، وهذا كِنايةٌ عن كَثرةِ ما يقَعُ مِن مَصائبَ وأهْوالٍ؛ إمَّا للمُسلِمِ على وجْهٍ خاصٍّ، أو للمُسلِمينَ بوجْهٍ عامٍّ، والفِتَنُ مُشتَرَكةٌ بيْنَ مَعانٍ كَثيرةٍ، وكُلُّها مُحتمَلةٌ: فتُطلَقُ على الحَيْرةِ، والإعْجابِ بالشَّيءِ، والضَّلالِ، والكُفرِ، والفَضيحةِ، والعَذابِ، والمالِ، والأوْلادِ، واختِلافِ النَّاسِ في الآراءِ، ولعلَّ المُرادَ هنا مَنشَأُ كُلِّ شرٍّ، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ لكلِّ قومٍ نَوعٌ مِن هذه الفِتَنِ.
وكانت أوائِلُ تلك الفِتَنِ بعْدَ مَوتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَما وقَعَتِ الرِّدَّةُ في عَهدِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، ثمَّ اشتَدَّتِ الفِتنُ بمَقتَلِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، وما حدَث بعْدَه ونشَأَ مِن تلك الفِتَنِ؛ مِن قَتلِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، وما تَرتَّبَ عليه مِن إراقةِ الدِّماءِ، وتَفرُّقِ القُلوبِ، وظُهورِ فِتَنِ الدِّينِ، كبِدَعِ الخَوارِجِ المارِقينَ مِن الدِّينِ، ثمَّ ظُهورِ بِدَعِ أهلِ القَدَرِ والرَّفْضِ ونَحوِهم، وهذا كلُّه مِن الفِتْنةِ الَّتي تَموجُ كمَوجِ البَحرِ.
ولِعظَمِ ما فَهِمَه الصَّحابةُ الكِرامُ مِن شِدَّةِ هذه الفِتَنِ، تَوقَّعوا أنَّهم إنْ أدْرَكوا زمَنَ تلك الفِتَنِ فإنَّهم يَهلِكونَ فيها، ويَقَعونَ في شَرِّها، فقال لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «بحَسْبِ أصْحابي القَتلُ»، قيلَ: مَعْناه أنَّ قَتْلَهم في الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، ولإعْلاءِ كَلمةِ اللهِ يَكْفيهم؛ وبذلك فإنَّهم لا يَقَعونَ في الفِتْنةِ بعْدَ قَتْلِهم. وقيلَ: يَكْفي المُخطئَ مِنْهُم فِي قِتالِه في الفِتَنِ القَتلُ؛ فإنَّه كَفَّارةٌ لذُنوبِه، وتَمْحيصٌ لذُنوبِه، أمَّا المُصِيبُ فهو شَهيدٌ، هذا إنْ كان المُخطئُ عنِ اجْتِهادٍ وتَأويلٍ، وأمَّا مَن قاتَلَ معَ عِلمِه بالخَطأِ، وقُتِلَ مُصِرًّا، فأمْرُه إلى اللهِ: إنْ شاء عذَّبَه، وإنْ شاء عَفا عنه.
وفي رِوايةٍ: «يَذهَبُ النَّاسُ فيها أسرَعَ ذَهابٍ»، فيَدخُلونَ في الفِتْنةِ مُسرِعينَ غيرَ مُحتَرِزينَ.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الفِتَنِ الَّتي تقَعُ بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.