الموسوعة الحديثية


- أنه قدم بإبلٍ له سمانٍ إلى المدينةِ في زمنِ قحلٍ وجدوبٍ من الأرضِ فلما رآها أهلُ المدينةِ عجِبوا من سِمَنِها فذكرتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأرسل إليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأُتِيَ بها فخرج إليها فنظر فقال لمَ جلبتَ إبلَكَ هذه ؟قال أردتُ بها خادمًا فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَن عنده خادمٌ فقال عثمانُ بنُ عفَّانٍ رضيَ اللهُ عنهُ عندي يا رسولَ اللهِ قال فأْتِ بها فجاء بها عثمانُ فلما رآها أسودُ قال مثلَها أُريدُ فقال عندك فخُذْها فأخذها أسودُ وقبض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إبلَه فقال أسودُ يا رسولَ اللهِ أوصِني قال هل تملكُ لسانَك قال فما أملكُ إذا لم أملِكْه قال أَفَتملكُ يدَك قال فما أملكُ إذا لم أملكْ يدي قال فلا تقُلْ بلسانِك إلا معروفًا ولا تبسُطْ يدَك إلا إلى خيرٍ
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات
الراوي : أسود بن أصرم المحاربي | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 4/82
| التخريج : أخرجه البخاري (1/443) مختصراً باختلاف يسير، والطبراني (1/281) (820)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4583) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: آداب الكلام - الصمت وقلة الكلام آداب الكلام - حفظ اللسان رقائق وزهد - حفظ الجوارح إحسان - الحث على الأعمال الصالحة رقائق وزهد - الوصايا النافعة
|أصول الحديث
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصْحابَه مَعالِمَ الإيمانِ، فيَأمُرُهم بالأعْمالِ الصَّالحةِ الَّتي تَزيدُ الإيمانَ وتُوثِّقُ عُراه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ أسْوَدُ بنُ أصْرَمَ المُحاربيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أتَى المدينةَ ذاتَ مرَّةٍ ومعَه إبلٌ له سِمانٌ حَسَنةُ الأجسامِ، وكان ذلك في زمَنٍ قَليلِ المَطرِ قَليلِ العُشبِ؛ ممَّا يَجعَلُ الحَيواناتِ كلَّها هَزيلةً، فلمَّا رَآها أهلُ المَدينةِ عَجِبوا مِن سِمَنِها وحُسنِ هَيْئتِها، فذكَرَ أسوَدُ ذلك لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخبَرَه ما كان مِن أمرِ إبِلِه، وتَعجُّبِ النَّاسِ منها، فأرسَلَ إليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَأْتوا بها إليه ليَراها، فلمَّا أُتيَ بها إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، خرَج ونَظَر إليها، فلمَّا أعجَبَتْه، توجَّهَ بالسُّؤالِ إلى أسوَدَ فسَألَه: لِمَ جَلَب إبلَه هذه، وأحضَرها إلى المَدينةِ؟ فأخبَرَه بأنَّه أرادَ أنْ يَشتريَ بها خادمًا، والخادمُ يُطلَقُ على الذَّكرِ والأُنْثى ممَّن يَخدُمونَ النَّاسَ، ويَقومونَ على قَضاءِ حَوائجِهم، والمُرادُ به هنا: العبدُ والمَملوكُ، فسَأَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصْحابِه: مَن عندَه خادمٌ فيَبيعَه له ويَأخُذَ الإبلَ؟ فقال عُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه: عِندي يا رسولَ اللهِ خادمةٌ أبيعُها له، فأمَرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأتيَ بها، فجاء بها عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا رَأى أسوَدُ رَضيَ اللهُ عنه الجاريةَ قال: «مِثلَها أُريدُ»، وهذا إشارةٌ إلى قَبولِه للصَّفْقةِ بيْنه وبيْنَ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فأخَذ أسوَدُ رَضيَ اللهُ عنه الخادمةَ، وقَبَض رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه الإبِلَ، وأتَمَّ الصَّفْقةَ.
فلمَّا انْتَهى أسوَدُ رَضيَ اللهُ عنه مِن صَفْقتِه، وهمَّ بالرُّجوعِ إلى أرضِه؛ طَلَب مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُوصيَه بما يُناسِبُ حالَه مِن أُمورِ الدِّينِ، وهذا طلَبُ المؤمِنِ العاقِلِ أنْ يَطلُبَ العِلمَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيكونَ بذلك قد كَسَب دُنياه ببَيعِه، وكَسَب عِلمَ الدِّينِ مِن نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لعلَّه يَفوزُ بآخِرتِه، فسَأَله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُؤالًا تَقْريريًّا بغرَضِ تَأكيدِ مَفهومِ ما سَيُوصيهِ به؛ فقال: «هل تَملِكُ لسانَكَ؟ قال: فما أملِكُ إذا لمْ أملِكْه؟!» وهكذا قرَّرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وانتَزَعَ منه الاعتِرافَ بأنَّه يَتحَكَّمُ في لِسانِه، ويَتحمَّلُ تَبِعاتِ كَلامِه، ثمَّ سَألَه سُؤالًا آخَرَ؛ فقال: «أفتَملِكُ يدَكَ؟ قال: فما أملِكُ إذا لم أملِكْ يَدي؟!» وهكذا أيضًا قرَّرَه أنَّه يَتحَكَّمُ في يدِه، ويَتحمَّلُ تَبِعاتِ أعْمالِها مِن خَيرٍ أو شرٍّ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الوَصيةَ الجامِعةَ: «فلا تقُلْ بلِسانِكَ إلَّا مَعروفًا، ولا تَبسُطْ يدَكَ إلَّا إلى خَيرٍ»، واسْتِقامةُ اللِّسانِ، وحِفظُ اليَدِ عن أذَى الغَيرِ، وعنِ الشَّرِّ مِن خِصالِ الإيمانِ؛ فالمؤمِنُ لا يَقولُ إلَّا كَلامًا حسَنًا، مِثْلَ الذِّكرِ، والإصْلاحِ بيْن النَّاسِ وتَعليمِهم، وإلَّا فإنَّ الصَّمتَ أفضَلُ؛ لأنَّه لا يكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على مَناخِرِهم إلَّا حَصائدُ ألسنَتِهم مِنَ الشَّرِّ.
كما أنَّ المُسلِمَ لا يُؤذي بيَدَيْه أحدًا، بلْ يَجعَلُ يَدَه دائمًا مَمْدودةً بالخَيرِ مِن الصَّدَقاتِ والصِّلاتِ ونَحوِ ذلك، ومَن لم يَملِكْ ذلك، فلْيَكُفَّ يَدَه عن كلِّ شرٍّ.
وفي الحَديثِ: وَصيَّةٌ نافِعةٌ لكلِّ مُسلمٍ، تَنفَعُه في الدُّنْيا، وتكونُ سَببًا لنَجاتِه يومَ القِيامةِ.
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها