الموسوعة الحديثية


-  كُنَّا علَى شَاطِئِ نَهَرٍ بالأهْوَازِ قدْ نَضَبَ عنْه المَاءُ، فَجَاءَ أبو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ علَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الفَرَسُ، فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وتَبِعَهَا حتَّى أدْرَكَهَا، فأخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلَاتَهُ، وفينَا رَجُلٌ له رَأْيٌ، فأقْبَلَ يقولُ: انْظُرُوا إلى هذا الشَّيْخِ، تَرَكَ صَلَاتَهُ مِن أجْلِ فَرَسٍ! فأقْبَلَ فَقالَ: ما عَنَّفَنِي أحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالَ: إنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، فلوْ صَلَّيْتُ وتَرَكْتُهُ، لَمْ آتِ أهْلِي إلى اللَّيْلِ، وذَكَرَ أنَّه قدْ صَحِبَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرَأَى مِن تَيْسِيرِهِ.
الراوي : أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6127 خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : من أفراد البخاري على مسلم
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهَى عن التَّعسيرِ، ويَأمُرُ بالتَّيسيرِ في الأُمورِ كلِّها ما لم يكُنْ إثمًا؛ فالشَّريعةُ أساسُها التَّخفيفُ ورفْعُ الحَرَجِ، وقدْ نقَلَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم إلينا تَيسيرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أُمَّتِه في الصَّلاةِ وغيرِها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ الأزرقُ بنُ قَيسٍ أنَّهم كانوا على شاطِئ نَهَرٍ بالأهوازِ، وهي مَوضعٌ بخُوزستانَ بيْن العراقِ وفارسَ (إيران حاليًّا)، قدْ ذهَب الماءُ عن هذا النَّهرِ، وكانوا وَقْتَها يُقاتِلون الحَرُوريَّةَ (الخوارجَ) –كما في الرِّوايةِ الأخرى للبُخاريِّ- وهم مَن أنْكَروا على علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه التَّحكيمَ في قِتالِه مع مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه، ثمَّ قاتَلوه، وكفَّروا المسلمينَ، واستحَلُّوا دِماءَهم.
وحَدَّث الأزرَقُ أنَّ أبا بَرْزةَ الأسلميَّ رضِيَ اللهُ عنه جاء على فرَسٍ، فتركَها ونزل يُصلِّي، فانطلَقَتِ الفَرسُ، فتَرَك صَلاتَه واتَّبَعها حتَّى أدْرَكها، فأخَذَها، ثمَّ جاء فقَضى صَلاتَه، أي: أدَّاها بعدما قطَعَها، وفي القَومِ رجُلٌ له رأيٌ، أي: قولٌ فاسدٌ مخالِفٌ لِما عليه أهلُ السُّنَّةِ، وتنوينُ كلمةِ «رأي» للتَّحقيرِ، فأقبَل هذا الرَّجُلُ يَعيبُ على الصَّحابيِّ أبي بَرْزةَ رضِيَ اللهُ عنه، ويقول: انظُروا إلى هذا الشَّيخِ، ترَك صَلاتَه مِن أجْلِ فرَسٍ! فأقبَل أبو بَرْزَةَ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: ما عنَّفني أحدٌ منذُ فارقتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! وذكر في سَبَبِ قَطْعِه للصَّلاةِ وإحضارِ الفَرسِ: أنَّ مَنزِلَه رضِيَ اللهُ عنه بعيدٌ عن المكانِ الذي هو فيه، فلو مضى في صلاتِه وتَرَك الفَرَسَ تذهَبُ لن يستطيع أن يذهَبَ إلى أهلِه إلى اللَّيلِ؛ لبُعدِ المسافةِ، وذكَر أنَّه قدْ صَحِب النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرأى مِن تَيسيرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرًا، ما حمَله على فِعلِه ذلك؛ إذ لا يَجوزُ له أنْ يَفعَلَه مِن تِلقاءِ نفْسِه دونَ أنْ يُشاهِدَ مِثلَه منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ هذا المنكِرَ هو الجاهِلُ لأحكامِ الشَّريعةِ وهَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ: رِفقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه.
وفيه: الاقتداءُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: حِكايةُ الرَّجلِ مناقبَه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكُنْ في سِياقِ الفخرِ والتَّباهِي.
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها