الموسوعة الحديثية


-  احْتَجَرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً -أوْ حَصِيرًا- فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إلَيْهِ رِجَالٌ وجَاؤُوا يُصَلُّونَ بصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاؤُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وأَبْطَأَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنْهمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم، فَرَفَعُوا أصْوَاتَهُمْ وحَصَبُوا البَابَ، فَخَرَجَ إليهِم مُغْضَبًا، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما زَالَ بكُمْ صَنِيعُكُمْ حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُكْتَبُ علَيْكُم، فَعلَيْكُم بالصَّلَاةِ في بُيُوتِكُمْ؛ فإنَّ خَيْرَ صَلَاةِ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ.
الراوي : زيد بن ثابت | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6113 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781)
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا بأُمَّتِه، ومِن دَلائلِ رَحْمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان في بعضِ الأوقاتِ يَترُكُ بعْضَ الأعمالِ غيرِ المفروضةِ خَشيةَ أنْ تُفرَضَ؛ وذلك لِما تَمتَّعَ به أصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم مِن حُبِّ الاقتِداءِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمُسارَعةِ لمُوافَقتِه.
وفي هذا الحديثِ يَحكي زيْدُ بنُ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم احتْجَرَ حُجَيرةً -تصغيرُ حُجْرةٍ- مُخَصَّفَةً، يعني: مُتَّخِذةً مِن سَعَفِ النَّخيلِ، «أو حَصِيرًا» الشَّكُّ مِنَ الرَّاوي، والمعنى واحِدٌ: اقْتطَعَ مَكانًا مِنَ المسجدِ وصَنَعَ به مِثلَ الحُجْرةِ الصَّغيرةِ يَستُرُه؛ ليصَلِّيَ فيه ولا يمُرُّ عليه أحدٌ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرجُ إلى هذه الحُجرةِ يُصلِّي، وهذه الصَّلاةُ هي الَّتي عُرِفتْ فيما بَعْدُ بصَلاةِ التَّراويحِ، فتَتبَّعَ إليه رجُالٌ من أصحابِه، أي: طلبوا مَوضِعَه وذهبوا إليه، وجاؤوا يُصلُّون بِصَلاتِه، ثُمَّ جاؤوا لَيلةً وانتظَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلمْ يَخرُجْ إليهم، فرَفَعوا أصواتَهم يُنادونَه وحَصبُوا البابَ، يعني: ألْقَوْا على بابِه الحصى الصَّغيرَ؛ تَنْبيهًا له لِيخرجَ إليهم، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم مُغضَبًا لِفعلِهم؛ لكونِهم اجتمعوا بغيِر أمْرِه ولم يَكتَفوا بالإشارةِ منه بأنَّه لم يخرُجْ إليهم، بل بالغوا وحَصَبوا بابَه، أو لكونه تأخَّر إشفاقًا عليهم؛ لئلَّا تُفرَضَ عليهم وهم يظُنُّون غيرَ ذلك. وقال لهم: «ما زالَ بكمْ صَنيعُكم حتَّى ظنَنْتُ أنَّه سَيُكتَبُ عليكم»، يعني: أنَّني ما أزال أراكمْ مُصرِّين على الخروجِ والصَّلاةِ في ذلك الوقتِ حتَّى خَشيتُ أنْ يَكتُبَها اللهُ عليكم؛ وذلك أنَّ الأُمَّةَ مَأمورةٌ بالاقتِداءِ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَمَّا كان قِيامُ اللَّيلِ فرْضًا عليه دُونَ أُمَّتِه، خَشيَ إنْ خَرَج إليهمْ والتَزَموا معه قيامَ اللَّيلِ أنْ يُسوِّيَ اللهُ بيْنَه وبيْنَهم في حُكمِه؛ لأنَّ الأصلَ في الشَّرعِ المُساواةُ بيْنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبيْنَ أُمَّتِه في العِبادةِ. ويَحتمِلُ أن يَكونَ خَشِيَ مِن مُواظبتِهم عليها أنْ يَضعُفوا عنها، فيَقَعَ مَن تَرَكَها في ترْكِ اتِّباعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ثمَّ أخْبَرَهم أنَّ أفضلَ صَلاةِ الرَّجلِ الَّتي تكونُ في بيْتِه؛ حيثُ يُطرَدُ الشَّيطانُ منه، ولا يكونُ خَرِبًا، ويَقتَدي أهلُه بِصَلاتِه، إلَّا الصَّلاةَ المفروضةَ؛ فإنَّها تكونُ في المسجِدِ.
وفي الحَديثِ: جوازُ الائتمامِ بمَن لم يَنْوِ أنْ يكونَ إمامًا في تلك الصَّلاةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّنفُّلِ في جَماعةٍ.
وفيه: بَيانُ شفَقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أُمَّتِه.
وفيه: أفضليَّةُ صَلاةِ التطَوُّعِ في البيتِ عن المسجِدِ.