الموسوعة الحديثية


- أنَّ أبَاهُ تُوُفِّيَ وتَرَكَ عليه ثَلَاثِينَ وسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فأبَى أنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَشْفَعَ له إلَيْهِ، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَلَّمَ اليَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بالَّذِي له، فأبَى، فَدَخَلَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّخْلَ، فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قالَ لِجَابِرٍ: جُدَّ له، فأوْفِ له الَّذي له. فَجَدَّهُ بَعْدَما رَجَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وفَضَلَتْ له سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَجَاءَ جَابِرٌ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بالَّذِي كَانَ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أخْبَرَهُ بالفَضْلِ، فَقالَ: أخْبِرْ ذلكَ ابْنَ الخَطَّابِ، فَذَهَبَ جَابِرٌ إلى عُمَرَ فأخْبَرَهُ، فَقالَ له عُمَرُ: لقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2396 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
على المسلِمِ أنْ يَسْعى في حاجةِ أَخيهِ المُسلمِ، خاصَّةً لِمَنْ صرَّحَ بطَلَبِ العَونِ، ويَبْقى معَهُ حتَّى تَنتهِيَ حاجَتُه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أباهُ عبدَ اللهِ بنَ حَرامٍ رَضيَ اللهُ عنه قدْ تُوفِّيَ يومَ أُحُدٍ وعلَيه دَينٌ قِيمتُه ثَلاثونَ وَسْقًا لرجُلٍ مِنَ اليَهودِ، قيل: اسمُه أبو الشَّحمِ، والوَسْقُ يُساوي ستِّينَ صاعًا، والصَّاعُ يُساوي أربعةَ أمدادٍ، والمُدُّ هو مِلءُ الكفَّينِ للرَّجلِ مُعتدِلِ الخِلْقةِ. فطَلبَ منه جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُنظِرَه ويَصبِرَ عليه مُدَّةً حتَّى يَستطيعَ سَدادَ الدَّينِ، فرَفَضَ اليهوديُّ الانتظارَ، فكلَّمَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَشفَعَ له عندَ ذلك اليَهوديِّ فيُؤخِّرَه مُدَّةً، فكَلَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا اليَهوديَّ؛ لِيَأخُذَ ثَمَرَ النَّخلِ الَّذي عندَ جابرٍ بالدَّينِ الَّذي له، فَرفَضَ اليَهوديُّ، فدخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المكانَ الَّذي فيه نَخْلُ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه ومَشى فيه، وتَحقَّق أنَّ تَمْرَ النَّخلِ لا يَفِي بالدَّينِ، وأنَّه أقلُّ ممَّا كان عليه، ثُمَّ قال لِجابرٍ رَضيَ اللهُ عنه: اقْطَعْ له مِن ثَمرِ النَّخلِ وأَعْطِه دَينَه، فقَطَعَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه مِن ثَمرِ النَّخلِ، فَأعطى الرَّجلَ دَينَه ثَلاثِينَ وَسَقًا الَّتي كانت له دَينًا في ذِمَّةِ أبيهِ، وتَبقَّى لجابرٍ بعْدَ ذلك سَبْعةَ عَشَرَ وَسْقًا، ببَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فجاءَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليُخبِرَه بما حصَلَ مِن البَرَكةِ الَّتي حلَّتْ في نَخْلِه، فوَجَدَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي العصْرَ، فلمَّا انْتَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن صَلاتِه أخْبَرَه جابرٌ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أخْبِرْ ذلك ابنَ الخطَّابِ»، فذَهَبَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه وأخبَرَه بما حدَثَ، فقال له عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: لَقدْ عَلِمتُ حِين مَشى فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَتَحُلَّنَّ البَرَكةُ على النَّخلِ. وخَصَّ عمَرَ بذلك؛ لأنَّه كان مُهْتمًّا بقِصَّةِ جابرٍ.
وفي الحديثِ: مَشْيُ الإمامِ في حَوائجِ رَعيَّتِه، وشَفاعتُه عندَ بَعضِهم في بَعضٍ.
وفيه: عَلَمٌ ظاهرٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ بتَكثيرِ القليلِ إلى أنْ حَصَل به وَفاءُ الكثيرِ وفضَلَ مِنه.