الموسوعة الحديثية


-  لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ له ابنُ عَبَّاسٍ -وكَأنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، ولَئِنْ كانَ ذَاكَ، لقَدْ صَحِبْتَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وهو عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أبَا بَكْرٍ فأحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وهو عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فأحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، ولَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ: أمَّا ما ذَكَرْتَ مِن صُحْبَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِضَاهُ، فإنَّما ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ به عَلَيَّ، وأَمَّا ما ذَكَرْتَ مِن صُحْبَةِ أبِي بَكْرٍ ورِضَاهُ، فإنَّما ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ به عَلَيَّ، وأَمَّا ما تَرَى مِن جَزَعِي فَهو مِن أجْلِكَ وأَجْلِ أصْحَابِكَ، واللَّهِ لو أنَّ لي طِلَاعَ الأرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ به مِن عَذَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ قَبْلَ أنْ أرَاهُ.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الراوي : المسور بن مخرمة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3692
| التخريج : أخرجه أبو داود في ((الزهد)) (50)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) ((1/ 52)) مختصرا.
التصنيف الموضوعي: إمامة وخلافة - التسمية بأمير المؤمنين رقائق وزهد - الخوف من الله فتن - مقتل عمر مناقب وفضائل - عمر بن الخطاب مناقب وفضائل - العشرة المبشرون بالجنة
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث
كان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مَثلًا للحاكمِ العادِلِ الَّذي يُحسِنُ سياسةَ رَعيَّتِه على قَواعدِ الشَّرعِ، معَ مُراعاةِ واقعِ النَّاسِ، وتَنْزيلِ الأحْكامِ على أحْوالِهم، وكان لمَقْتلِه أثرٌ كَبيرٌ في نُفوسِ المُسلِمينَ؛ نَظرًا لِمَا كان عليه في خِلافتِه مِن قُوَّةٍ وهَيْبةٍ في الحقِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي المِسوَرُ بنُ مَخْرَمةَ رَضيَ اللهُ عنه آخِرَ لَحظاتِ وَفاةِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فيَحْكي أنَّه لَمَّا طُعِنَ جعَل يأْلَمُ، أي: يُظهِرُ أثَرَ ألَمِه بالأنينِ ونَحوِه، وكان الَّذي طعَنَه أبا لُؤْلؤةَ المَجوسيَّ، وكان في صَلاةِ الصُّبحِ، فقال له عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما «وكأنَّه يُجزِّعُه»، أي: يُزيلُ جزَعَه، ويُذهِبُ عنه ما به مِنَ الجزَعِ: «ولئنْ كان ذاك»، أي: ولئنْ قُتِلْتَ مِن هذه الطَّعْنةِ، أي: فلا تُبالِغْ فيما أنتَ فيه مِن الجزَعِ؛ لقد صحِبْتَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأحسَنْتَ صُحْبتَه، ثمَّ فارَقْتَه وهو عنكَ راضٍ، ثمَّ صحِبْتَ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فأحسَنْتَ صُحبتَه، ثمَّ فارَقتَه وهو عنكَ راضٍ، ثمَّ صَحِبْتَ صُحبَتَهم، والصُّحبةُ جَمعُ صاحبٍ، ومُرادُه أصْحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبي بَكرٍ، فأحسَنْتَ صُحبَتَهم، ولئنْ فارَقْتَهم لَتُفارِقَنَّهم وهمْ عنكَ راضونَ، وهذا كُلُّه مِن بابِ طَمْأنَتِه بحُسنِ أعْمالِه فلا يكونُ منه جزَعٌ؛ لِما قدَّمَه سابقًا مِن صُحْبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وصَحابتِه بعْدَه.
فردَّ عليه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّ كلَّ ما ذكَر مَحضُ منَّةٍ ونِعمةٍ منَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، ليس له فيه شَيءٌ، وأمَّا ما يَرى مِن جَزَع عمَرَ وخَوْفِه؛ فذلك لأنَّه يُخافُ مِن وُقوعِ الفِتَنِ بيْنَهم مِن بعْدِه، لَمَّا كان هو كالبابِ يسُدُّ الفِتَنَ، ومعَ هذا كلِّه فإنَّه يَخافُ أيضًا على نفْسِه ولا يأمَنُ عَذابَ اللهِ، وهذا من شدَّةِ الوَرَعِ والخَوفِ، ثمَّ أقسَمَ عُمَرُ قائلًا: واللهِ لو أنَّ لي طِلاعَ الأرْضِ -أي: مِلْأَها- ذَهبًا لافتَدَيْتُ به مِن عَذابِ اللهِ عزَّ وجلَّ قبلَ أنْ أراه، والمقصودُ أنَّه يَتمَنَّى لو أنَّ له مِثلَ وَزنِ الأرضِ ذَهبًا، ثمَّ طُلِبَ منه أنْ يَفتَديَ نفْسَه بهذا الذَّهَبِ مِن شدَّةِ أمْرِ المَوتِ، وما بعْدَه منَ الحِسابِ والقيامةِ؛ لَافْتَدى نفْسَه، وإنَّما قال ذلك؛ لغَلَبةِ الخَوفِ الَّذي وقَعَ له في ذلك الوَقتِ مِن خَشيةِ التَّقْصيرِ فيما يَجِبُ مِن حُقوقِ اللهِ، أو مِن الفِتْنةِ بمَدحِهم.
وفي الحَديثِ: مَنقَبةٌ لعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: مُواساةُ المَكْلومِ والمَصْدومِ بما يُهوِّنُ عليه هَمَّه.
وفيه: أنَّ المؤمِنَ يكونُ حالُه بيْن الخَوفِ والرَّجاءِ مِن اللهِ.
وفيه: بَيانُ عَدْلِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه في رَعيَّتِه، وحُسنِ سياسَتِه.
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها