الموسوعة الحديثية


-  حَارَبَتِ النَّضِيرُ وقُرَيْظَةُ، فأجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وأَقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَنَّ عليهم، حتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وأَوْلَادَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ بيْنَ المُسْلِمِينَ، إلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَآمَنَهُمْ، وأَسْلَمُوا، وأَجْلَى يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وهُمْ رَهْطُ عبدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ، ويَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وكُلَّ يَهُودِ المَدِينَةِ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 4028 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه مسلم (1766) باختلاف يسير
بَنو قُرَيْظةَ، وبَنو النَّضيرِ، وبَنو قَيْنُقاعَ مِن قَبائلِ اليَهُودِ الَّتي كانت تَسكُنُ المَدينةَ النَّبويَّةَ قبْلَ هِجْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليها، ولَمَّا هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ، عقَدَ معَهم عَهْدًا، ولكنَّهم نَقَضوا عَهْدَهم كعادةِ اليَهودِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بأمْرِ يَهودِ المَدينةِ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونَقضِ عُهودِهم، وحَربِهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، وهو حَديثٌ مُجمَلٌ، وتَفْصيلُه على النَّحوِ الآتي: كان أوَّلُ مَن نقَض العَهدَ يَهودَ بَني قَيْنُقاعَ، عندَما تَعرَّضوا لامْرأةٍ مُسلِمةٍ في سُوقِهم جلَسَتْ عندَ صائغٍ، فربَطَ رَجلٌ مِن بَني قَيْنُقاعَ بيْن طرَفَيْ ثَوبِها إلى ظَهرِها، فلمَّا قامَتْ بدَتْ عَوْرتُها، فضَحِكوا منها، فقامَ إلى اليَهوديِّ رَجلٌ مِنَ المُسلِمينَ فقَتَلَه، فاجتمَعَ عليه اليَهودُ، وقَتَلوه، ونَبَذوا العَهدَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فحارَبَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأجْلاهم، وأخْرَجَهم مِن المَدينةِ، ويَهودُ بَني قَيْنُقاعَ همْ قَومُ عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضيَ اللهُ عنه، وكان بَنو قَيْنُقاعَ قِلَّةً يَسكُنونَ عندَ مُنْتَهى جِسرِ بُطْحانَ ما بيْن المُراكِشيَّةِ والمَشرَفيَّةِ عندَ أوَّلِ الطَّريقِ النَّازِلِ مِن قُباءٍ، وقد تَحوَّلَت هذه المِنطَقةُ حاليًّا إلى شَوارِعَ فَرعيَّةٍ تُعرَفُ بهذا الاسْمِ، وكان لهم سُوقٌ هناك يُعرَفُ بسُوقِ بَني قَيْنُقاعَ، وكانوا صاغةً يَعمَلونَ في الذَّهبِ.
ثمَّ «حارَبَتِ النَّضِيرُ، وقُرَيْظةُ»، أي: نَقَضوا العُهودَ، فأجْلَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَني النَّضيرِ، وأخرَجَهم منَ المَدينةِ، وأقَرَّ قُرَيْظةَ في أماكِنِهم، ومَنَّ عليهم، ولم يَأخُذْ منهم شَيئًا، ولم يُخرِجْهم أوَّلَ مرَّةٍ.
وأمَّا يَهودُ بَني النَّضيرِ، فكانت مَنازِلُهم في قُرْبانَ جَنوبيَّ المَدينةِ، وهي في مَوضِعِ الحَدائقِ المَعْروفةِ اليومَ بأمِّ عَشرٍ، وأمِّ أربَعٍ، وجيدةَ، وسمَّانَ، وسُلَيْهِمٍ، وغَيرِها، وفي هذه البُقْعةِ يقَعُ قَصرُ كَعبِ بنِ الأشرَفِ النَّبْهانيِّ نَسَبًا، والنَّضيريِّ خُؤولةً، ولا يَزالُ هذا القَصرُ قائمَ العَينِ، وآثارُه باقيةً حتَّى الآن في جنوبِ بُستانِ أمِّ عَشرٍ، وقد حارَبَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَما حاوَلوا قَتْلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإلقاءِ حَجرٍ عليه وهو في دِيارِهم، فأوْحَى اللهُ إليه بذلك، فحاصَرَهم وأجْلاهم عنِ المَدينةِ أيضًا، وكان إجْلاؤُهم بعْدَ رُجوعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أُحُدٍ، في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجْرةِ، وقيلَ: كان في شَهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ مِن السَّنةِ الرَّابِعةِ للهِجْرةِ، وفيهم نزَلَت سورةُ الحَشرِ.
وأمَّا بَنو قُرَيْظةَ فنَقَضوا عَهْدَهم عندَما تَحالَفوا معَ المُشرِكينَ في غَزْوةِ الأحْزابِ الَّتي وقَعَت في السَّنةِ الرَّابِعةِ منَ الهِجْرةِ، فلمَّا هزَم اللهُ الأحْزابَ تَوجَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم، وحاصَرَهم خَمسةً وعِشْرينَ يَومًا، حتَّى أتْعَبَهُم الحِصارُ وأنْهَكَهُم، وقَذَف اللهُ في قُلوبِهمُ الرُّعبَ، فنَزَلوا على حُكمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقتَل رِجالَهم، وقسَمَ نِساءَهم، وأوْلادَهم، وأمْوالَهم غَنيمةً بيْن المُسلِمينَ، إلَّا بعضًا منهم قد أسْلَموا، ولَحِقوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّنَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأيضًا أخرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ بَني حارِثةَ، وكُلَّ يَهودِ المَدينةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ المُعاهَدَ والذِّمِّيَّ إذا نقَض العَهدَ صارَ حَربيًّا، وجرَتْ عليه أحْكامُ أهلِ الحَربِ.