الموسوعة الحديثية


-  جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرانَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُرِيدانِ أنْ يُلاعِناهُ، قالَ: فقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفْعَلْ؛ فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاعَنَّا، لا نُفْلِحُ نَحْنُ ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا، قالا: إنَّا نُعْطِيكَ ما سَأَلْتَنا، وابْعَثْ معنا رَجُلًا أمِينًا، ولا تَبْعَثْ معنا إلَّا أمِينًا، فقالَ: لَأَبْعَثَنَّ معكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، فاسْتَشْرَفَ له أصْحابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ.
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 4380 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (4380)، ومسلم (2420).
بعْدَ جِهادٍ طَويلٍ، وصَبرٍ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه؛ ظهَرَ دينُ اللهِ وعزَّ وقَوِيَ، فكانتِ القَبائلُ تُرسِلُ الوُفودَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ مُعلِنينَ إسْلامَهم، أو خُضوعَهم التَّامَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي حُذَيْفةُ بنُ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه جاء العاقِبُ، قيلَ: اسمُه عبدُ المَسيحِ، والسَّيِّدُ، واسمُه الأيْهَمُ، أو شُرَحْبيلُ، صاحِبَا نَجْرانَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهما مِن أكابِرِ نَصارى نَجْرانَ وحُكَّامِهم، وكان السَّيِّدُ رَئيسَهم وصاحِبَ رِحالِهم ومُجتَمَعِهم، والعاقبُ صاحبُ مَشورَتِهم، وكان معَهم أيضًا أبو الحارِثِ بنُ عَلْقَمةَ، وكان أُسْقُفَّهم، وحَبْرَهم، وصاحِبَ مِدْراسِهم، وكان مَقدَمُهم إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَنةَ تِسعٍ مِنَ الهِجْرةِ في وَفدٍ من أهلِ نَجْرانَ، ونَجْرانُ مَدينةٌ بيْنَ مكَّةَ واليمَنِ. وقدْ جاءا يُريدانِ مُلاعَنةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمُلاعَنةُ هي المُباهَلةُ، وهي أنْ يَدْعوَ كلُّ واحدٍ مِن المُتَلاعِنَيْنِ على نفْسِه بالعَذابِ على الكاذِبِ والمُبطِلِ، فخافَ أحَدُهما وقال لصاحِبِه: لا تَفعَلْ؛ فواللهِ لَئنْ كان نَبيًّا، فلاعَنَنا لا نُفلِحُ نحْن ولا ذُرِّيَّتُنا مِن بَعدِنا، فامْتَنَعا عنِ المُلاعَنةِ، وتَصالَحا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على مالٍ يَدفَعونَه له، فقالا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّا نُعْطيكَ ما سأَلْتَنا، وابعَثْ معَنا رَجلًا أمينًا، ولا تَبعَثْ معَنا إلَّا أمينًا، وهذا تَشْديدٌ وتَأكيدٌ على أمانَتِه، فأجابَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى طلَبِهم، وقال لهمْ: «لَأَبعَثَنَّ معَكم رَجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ»، وهذا تَأكيدٌ على أمانةِ مَن سيَبعَثُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَغِبوا النَّاسُ في أنْ يَنالوا ذلك؛ لمَا فيه مِن تَزْكيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووَصْفِه للرَّجلِ المُخْتارِ بالأمانةِ، وليس حِرصًا على الوِلايةِ والمَسؤوليَّةِ، فبعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا عُبَيْدةَ بنَ الجرَّاحِ رَضيَ اللهُ عنه، وقال: «هذا أمينُ هذه الأُمَّةِ»، وإنَّما خَصَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأمانةِ، وإنْ كانت مُشترَكةً بيْنَه وبيْنَ غيرِه منَ الصَّحابةِ؛ لغلَبَتِها فيه بالنِّسبةِ إليهم، وقيلَ: لكَوْنِها غالِبةً بالنِّسبةِ إلى سائرِ صِفاتِه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ظاهِرةٌ لأبي عُبَيْدةَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: تَطلُّعُ الصَّحابةِ للخَيرِ وحِرصُهم عليه.
وفيه: مَشْروعيَّةُ مُباهَلةِ المُخالِفِ إذا أصَرَّ بعدَ ظُهورِ الحُجَّةِ.