الموسوعة الحديثية


- أنَّ مُعاذًا لمَّا قَدِم اليَمَنَ كان يُكري الأرضَ، أوِ المَزارعَ على الثُّلُثِ، أوِ الرُّبُعِ، أو قال: قَدِم وهم يفعَلونَه فأمضى ذلك.
الراوي : طاووس بن كيسان اليماني | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 7/ 125 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرطهما
أرسَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ سَنةَ تِسعٍ -وقيلَ: سَنةَ عَشْرٍ- مِنَ الهِجرةِ، يُعَلِّمُهمُ القُرآنَ وشَرائِعَ الإسلامِ، ويَقضي بيْنهم، ويَقبِضُ الصَّدَقاتِ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ طاوسُ بنُ كَيْسانَ أنَّ مُعاذًا لَمَّا قَدِمَ اليَمَنَ كان يُكري الأرضَ أوِ المَزارِعَ بثُلُثِ ما يَخرُجُ منها، أو رُبُعِه، وهو أحَدُ نُظُمِ المُؤاجَرةِ التي كان يَعمَلُ بها الناسُ قَبلَ بَعثةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، -أو قال: "قَدِمَ وهُم يَفعَلونَه، فأمْضَى ذلك- أيْ: أنَّه دَخَلَ اليَمَنَ ووَجَدَهم يَعمَلونَ بكِراءِ الأرضِ، فلم يَنْهَهم عنه، بل أقَرَّه لهم، وفي هذا دَليلٌ على إباحةِ الإكراءِ.وقد وَرَدَ في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ اللهُ عنه النَّهيُ عن كِراءِ الأرضِ بالمُخابَرةِ والمُزارَعةِ، بألفاظٍ مُختَلِفةٍ، وبتَأمُّلِ هذه الألفاظِ والرِّواياتِ وجَمْعِ طُرُقِها، واعتِبارِ بَعضِها ببَعضٍ، وحَمْلِ مُجمَلِها على مُفَسَّرِها، ومُطلَقِها على مُقَيَّدِها؛ فإنَّها تَدُلُّ على أنَّ الذي نَهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثِه كان أمرًا بَيِّنَ الفَسادِ، وهو المُزارَعةُ الظَّالِمةُ الجائِرةُ؛ فإنَّ رافِعًا نَفْسَه فَسَّرَها في رِوايةٍ فقال: "كُنَّا نُكْري الأرضَ على أنَّ لنا هذه، ولهم هذه، فرُبَّما أخرَجَتْ هذه، ولم تُخرِجْ هذه"، وقال أيضًا: "ولم يَكُنْ لهم كِراءٌ إلَّا هذا؛ فلذلك زَجَرَ عنه، وأمَّا بشَيءٍ مَعلومٍ مَضمونٍ، فلا بَأْسَ". وأيضًا فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صالَحَ أهلَ خَيْبَرَ على أنْ يَزرَعوا الأرضَ ولهُمُ النِّصفُ، ولِلنَّبيِّ النِّصفُ، وظَلَّ العَمَلُ به إلى مَوتِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وبه عَمِلَ الخُلَفاءُ الرَّاشِدونَ مِن بَعدِه، فتَبَيَّنَ أنَّ النَّهيَ ليس عامًّا، وإنَّما النَّهيُ عن شَيءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الظُّلمِ في المُعامَلةِ.