الموسوعة الحديثية


- قَسَمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَنائمَ حُنَينٍ بالجِعرانةِ، قال: فازدَحَموا عليه، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ عبدًا مِن عِبادِ اللهِ بَعَثَه اللهُ عزَّ وجلَّ إلى قَومِه، فكَذَّبوه وشَجُّوه، فجَعَلَ يَمسَحُ الدَّمَ عن جَبينِه، ويقولُ: ربِّ، اغفِرْ لقَومي؛ فإنَّهم لا يَعلَمونَ. قال: قال عبدُ اللهِ: فكأنِّي أنظُرُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمسَحُ جَبهتَه، يَحكي الرَّجُلَ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 4057 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6929)، ومسلم (1792)، وابن ماجه (4025)، وأحمد (4057) واللفظ له
كان شَأنُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كشَأنِ أغلَبِ الأنبياءِ عليهم وعلى نَبيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ أُوذوا في سَبيلِ اللهِ، وتَعَرَّضوا لِلتَّكذيبِ مِن قَومِهم، فتَحَمَّلوا مِنَ الإيذاءِ ما كَتَبَه اللهُ عليهم في سَبيلِ القِيامِ بحَقِّ الأمانةِ والتَّبليغِ.وفي هَذا الحَديثِ يُخبِرُ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَسَّمَ غَنائِمَ حُنَينٍ بالجِعْرانةِ"، فوَزَّعَ على المُقاتِلينَ ما غَنِموا مِن مَعرَكةِ حُنَينٍ، وحُنَينٌ وادٍ كَبيرٌ بَينَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، وكانت تلك الغَزوةُ في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِنَ الهِجرةِ عَقِبَ فَتحِ مَكَّةَ، حارَبَ فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه مِنَ المُسلِمينَ قَبيلَتَيْ هَوازِنَ وثَقِيفٍ، والجِعْرانةُ: مَكانٌ بَينَ الطَّائِفِ ومَكَّةَ، وهو إلى مَكَّةَ أقرَبُ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ 33 كيلومترًا، فأخبَرَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم ازدَحَموا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ عَبدًا مِن عِبادِ اللهِ بَعَثَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ إلى قَومِه" يَصِفُ حالَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقيلَ: يَحتَمِلُ أنْ يَصِفَ حالَ نَبيٍّ مِنَ الأنبياءِ، كما في الصَّحيحَيْنِ، "فكَذَّبوه" بما جاءَ به مِنَ الدَّعوةِ والحَقِّ "وشَجُّوه"، وضَرَبَه قَومُه حتى قَطَعوا جِلدَ رَأْسِه حتى سالَ منه الدَّمُ، فجَعَلَ يَمسَحُ الدَّمَ عن جَبينِه ووَجهِه، "ويَقولُ: رَبِّ، اغفِرْ لِقَوْمي؛ فإنَّهم لا يَعلَمونَ"، وهذا مِن رَأْفةِ النبيِّ بقَومِه، وحُبِّ الخَيرِ لهم، والخَشيةِ مِنَ العِقابِ وحُلولِ العَذابِ عليهم؛ جَزاءً لِتَعذيبِهم وإيذائِهم نَبيًّا مِن أنبياءِ اللهِ، ويُمكِنُ أنْ يَكونَ كِنايةً عنِ التَّوبةِ المُوجِبةِ لِلمَغفِرةِ، وإليه الإشارةُ بقَولِه: (فإنَّهم لا يَعلَمونَ). قال عَبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه: "فكَأنِّي أنظُرُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمسَحُ جَبهَتَه، يَحكي الرَّجُلَ" الذي شَجَّه قَومُه وصَبَرَ عليهم، وهذا النبيُّ المُشارُ إليه مِنَ المُتَقَدِّمينَ.وفي الحَديثِ: فَضلُ الصَّبرِ على الأذى، ومُقابلةِ الإساءةِ والجَهلِ بالإحسانِ والحِلمِ.وفيه: بَيانُ ما كان عليه الأنبياءُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم مِنَ الحِلمِ والتَّصَبُّرِ والعَفوِ والشَّفَقةِ على قَومِهم، ودُعائِهم لهم بالهِدايةِ والغُفرانِ، وعُذرِهم في جِنايَتِهم على أنْفُسِهم بأنَّهم لا يَعلَمونَ.