الموسوعة الحديثية


- كاتَبتُ أهْلي على أنْ أغْرِسَ لهُم خَمْسَ مِئةِ فَسيلةٍ، فإذا عَلِقَتْ فأنا حُرٌّ، قال: فأتَيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فذَكَرتُ ذلك له، قال: اغْرِسْ واشتَرِطْ لهم، فإذا أرَدْتَ أنْ تَغْرِسَ فآذِنِّي، قال: فآذَنتُه، قال: فجاء، فجَعَلَ يَغرِسُ بِيَدِه إلَّا واحِدةً غَرَستُها بِيَدي، فعَلِقْنَ إلَّا الواحِدةَ.
الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 23730 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (23730) واللفظ له، والحاكم (2862)، والبيهقي (22146)
كان سَلمانُ الفارِسيُّ رَضيَ اللهُ عنه عَبدًا عِندَ رَجُلٍ يَهوديٍّ مِن بَني قُرَيظةَ، ولَمَّا هاجَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ آمَنَ به وأسلَمَ. وفي هذا الحَديثِ بَعضٌ مِن خَبَرِه وكَيفيَّةِ إعتاقِه، فيَقولُ سَلمانُ الفارِسيُّ رَضيَ اللهُ عنه: "كاتَبتُ أهلي" والمُرادُ بهم: سَيِّدُه ومالِكُه، والمُكاتِبُ: عَبدٌ مَملوكٌ يَتَعاقَدُ مع سَيِّدِه على قَدْرٍ ما يُؤدِّيه مِنَ المالِ؛ لِيُصبِحَ حُرًّا. فكانَ القَدْرُ الذي كاتَبَ عليه سَلمانُ أنْ يَغرِسَ لهم خَمسَ مِئةِ فَسيلةٍ، وهي صِغارُ النَّخلِ، "فإذا عَلِقتْ" ثَبَتتْ في غِراسِها ولم تَمُتْ، أصبَحَ حُرًّا، فذَهَبَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه بأمْرِ المُكاتَبةِ التي تَمَّتْ بَينَه وبَينَ سَيِّدِه، فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اغرِسْ واشتَرِطْ لهم"، فأمَرَه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أنْ يَفعَلَ ما طَلَبوه منه، وأنْ يَشتَرِطَ عليهم أنَّها إذا صَلَحتْ ونَمَتْ فسيُصبِحُ حُرًّا دُونَ مُراوَغةٍ، ويَكونُ ذلك تَصريحًا بالشَّرطِ بَينَ السَّيِّدِ والمَملوكِ، ثم أخبَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا حَضَرَ مَوعِدُ الغَرسِ، فليُعلِمْه، فآذَنَ سَلمانُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَوعِدِ الغَرسِ، فجَعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغرِسُ بِيَدِه جَميعَ ما اتَّفَقَ عليه سَلمانُ، إلَّا فَسيلةً واحِدةً غَرَسَها سَلمانُ بِيَدِه، قال سَلمانُ رَضيَ اللهُ عنه: "فعَلِقْنَ إلَّا الواحِدةَ" أيْ أنَّ جَميعَها ثَبَتَ في غِراسِها إلَّا التي غَرَسَها سَلمانُ بِيَدِه.وفي رِوايةِ البَيهَقيِّ عن عَبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ، عن أبيه: "فغَرَسَ النَّخلَ كُلَّه إلَّا نَخلةً واحِدةً، غَرَسَها عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، فأطعَمَ نَخلُه مِن سَنَتِه إلَّا تلك النَّخلةَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن غَرَسَها؟ قالوا: عُمَرُ، فغَرَسَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن يَدِه، فحَمَلتْ مِن عامِها" فبَيَّنتْ هذه الرِّوايةُ مَصيرَ هذه النَّخلةِ، وبذلك تَمَّ شَرطُ سَلمانَ، وأُعتِقَ.وفي رِوايةِ أحمَدَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عن سَلمانَ في قِصَّةِ إسلامِ سَلمانَ رَضيَ اللهُ عنه قال: "فكاتَبتُ صاحِبي على ثَلاثِ مِئةِ نَخلةٍ وأربَعينَ أُوقيَّةً".ففى الرِّوايةِ الأُولى زيادةٌ فى عَدَدِ الفَسيلاتِ، وفيها اشتِراطُ الحُرِّيَّةِ، وأنَّ واحِدةً منها لم تَعلَقْ، وهي التي لم يَغرِسْها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي رِوايةِ ابنِ عبَّاسٍ الثالِثةِ نُقصانٌ عن عَدَدِ الفَسيلاتِ، وزيادةُ الأربَعينَ أُوقيَّةً، وفي كِلتَيْهما مع الرِّوايةِ الثانيةِ أنَّ ذلك كان بشَرطِ العُلوقِ أوِ الإطعامِ، وكأنَّ العَقدَ كان مع الكُفَّارِ، وكأنَّ القَصدَ منه حُصولُ العِتقِ، فأذِنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اشتِراطِه بقَولِه: اشتَرِطْ لهم؛ لِكَونِه شَرطًا صَحيحًا فى حُصولِ العِتقِ به، وإنْ كان عَقدُ الكِتابةِ يَفسُدُ به.وفي الحَديثِ: عِظَمُ تَواضُعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورِفقُه ومُشارَكَتُه لِأصحابِه، والسَّعيُ في حاجَتِهم.وفيه: بَيانُ فَضلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبَرَكَتِه.