الموسوعة الحديثية


- دَخَلتُ على عُبادةَ، وهو مَريضٌ أتخايَلُ فيه المَوتَ، فقُلْتُ: يا أبتاه، أَوصِني واجتهِدْ لي، فقال: أجلِسوني، فلمَّا أجلَسوه قال: يا بُنَيَّ، إنَّكَ لنْ تَطعَمَ طَعمَ الإيمانِ، ولنْ تَبلُغَ حَقَّ حَقيقةِ العِلمِ باللهِ حتى تُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، قال: قُلْتُ: يا أبتاه، وكيف لي أنْ أعلَمَ ما خَيرُ القَدَرِ مِن شَرِّه؟ قال: تَعلَمُ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُنْ ليُصيبُكَ، وما أصابَكَ لم يَكُنْ ليُخطِئُكَ، يا بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلمُ، ثُمَّ قال: اكتُبْ، فجَرى في تلك السَّاعةِ بما هو كائنٌ إلى يومِ القِيامةِ، يا بُنَيَّ، إنْ مِتَّ ولستَ على ذلك دَخَلتَ النَّارَ.
الراوي : عبادة بن الصامت | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 22705 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (4700) مختصراً بنحوه، والترمذي (2155) باختلاف يسير، وأحمد (22705) واللفظ له
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُعلِّمونَ أبناءَهم ومَن بَعدَهم أُمورَ العَقيدةِ ومَسائِلَها؛ حتى يَكونَ الإيمانُ في قُلوبِهم على أكمَلِ وَجْهٍ، لا يَشوبُه مِن أمراضِ القُلوبِ شَيءٌ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ الوَليدُ بنُ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ أنَّه دَخَلَ على أبيه وهو مَريضٌ، وظَنَّ أنَّ مَرَضَه هذا هو مَرَضَ المَوتِ، فطَلَبَ مِن أبيه أنْ يُوصيَه ويَجتَهِدَ في تلك الوَصيَّةِ، والمُرادُ بالاجتِهادِ أنْ يُقدِّمَ ويَبلُغَ في وَصيَّتِه أفضَلَ ما عِندَه، فأمَرَهم عُبادةُ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُساعِدوه على الجُلوسِ، ثم قال: "يا بُنَيَّ، إنَّكَ لن تَطعَمَ طَعمَ الإيمانِ" بمَعنى: إنَّكَ لن تَجِدَ طَعمَ حَقيقةِ الإيمانِ وكَمالَه ولَذَّتَه في القَلبِ، "ولن تَبلُغَ حَقَّ حَقيقةِ العِلْمِ باللهِ" ولَعَلَّ المُرادَ كَمالُ الإيمانِ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنَّه لا يَكتَمِلُ عِلْمُه باللهِ عِلْمًا مُؤَكَّدًا يَقينيًّا في قَلبِه "حتى تُؤمِنَ بالقَدَرِ، خَيرِه وشَرِّه" والقَدَرُ: عِلْمُ اللهِ الأزَليُّ، المُحيطُ بِمَقاديرِ الأشياءِ وأحوالِها، والمُرادُ: الاعتِقادُ بأنَّ اللهَ قَدَّرَ الخَيرَ والشَّرَّ قَبلَ خَلْقِ الخَلائِقِ، وأنَّ جَميعَ الكائِناتِ مُتَعلِّقةٌ بقَضاءِ اللهِ، مُرتَبِطةٌ بقَدَرِه، وأنَّ اللهَ قد عَلِمَ بعِلْمِه الأزَليِّ مَقاديرَ كُلِّ شَيءٍ، وما سَيَكونُ، وكَتَبَه في اللَّوحِ المَحفوظِ، ويَسَّرَ كُلَّ مَخلوقٍ لِمَا خُلِقَ له. فسألَ الوَليدُ أباه عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه عن تَمييزِه خَيرَ القَدَرِ مِن شَرِّه، فأخبَرَه عُبادةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ما تَجاوَزَه مِنَ النِّعمةِ والبَلاءِ وتَعَدَّاه إلى غَيرِه لم يَكُنْ لِيَتَعَدَّاه ويأتيَه، وما وَقَعَ له مِن نِعمةٍ أو بَلاءٍ لم يَكُنْ لِيَجاوَزَه ويَذهَبَ إلى غَيرِه، ثم أخبَرَ عُبادةُ ابنَه بحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفيه: "إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلَمُ" وهو أداةُ الكِتابةِ لِلمَقاديرِ التي يأمُرُه اللهُ بِها، "ثم قال: اكتُبْ. فجَرى في تلك الساعةِ بما هو كائِنٌ إلى يَومِ القيامةِ" أيْ أنَّ اللهَ أمَرَه أنْ يَكتُبَ مَقاديرَ كُلِّ شَيءٍ في الكَونِ بالطَّريقةِ والكَيفيَّةِ التي أمَرَه اللهُ أنْ يَكتُبَ بها ما أرادَ اللهُ إيجادَه إلى يَومِ القيامةِ، "يا بُنَيَّ، إنْ مِتَّ ولستَ على ذلك" على غَيرِ تلك العَقيدةِ، كان ذلك سَبَبًا في دُخولِكَ النارَ. وفي الحَديثِ: بَيانُ العَقيدةِ الصَّحيحةِ في الإيمانِ بالقَدَرِ.وفيه: الحَثُّ على التَّوكُّلِ على اللهِ تعالَى، والرِّضا بقَدَرِه، ونَفيِ الحَولِ والقُوَّةِ إلَّا به تعالَى، ومُلازَمةِ القَناعةِ، والصَّبرِ على المَصائِبِ.