الموسوعة الحديثية


- مَن لَقيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا، يُصلِّي الخَمسَ، ويَصومُ رَمضانَ، غُفِرَ له، قُلتُ: أفَلا أُبشِّرُهم يا رسولَ اللهِ؟ قال: دَعْهم يَعمَلوا.
الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 22028 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (22028) واللفظ له، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/798)، والطبراني (20/49) (82) بمعناه مختصراً
العِبادةُ الحَقَّةُ هي كُلُّ طاعةٍ بقَصدِ نَيلِ رِضا اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَكونُ خالِصةً له سُبحانَه وتعالَى بخُضوعٍ وتَذَلُّلٍ وامتِثالِ أمْرِه، وتَشمَلُ العِبادةُ الشَّعائِرَ التَّعبُّديَّةَ؛ كالصَّلاةِ والصَّومِ والحَجِّ وغَيرِها.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه مَن لَقيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شَيئًا؛ فيَشهَدُ له بالوَحدانيَّةِ، ويُفرِدُه بالعِبادةِ، ولا يُشرِكُ معه إلهًا غَيرَه في تلك الطاعةِ؛ وأقامَ الصَّلَواتِ الخَمسَ المَكتوبةَ في أوَّلِ أوقاتِها، وأدَّاها على الوَجهِ الأتَمِّ لها، وصامَ رَمَضانَ، وهو الإمساكُ -بنيَّةِ التَّعبُّدِ- عنِ الأكلِ والشُّربِ، وسائِرِ المُفطِّراتِ، وغِشْيانِ النِّساءِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ؛ كان ذلك سَبَبًا لِمَغفِرةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِعَبدِه يَومَ القيامةِ.والتَّوحيدُ وَحْدَه ضَمانٌ لِلجَنَّةِ عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعَدَمِ الخُلودِ في النارِ، فإذا شَمِلَ هذا التَّوحيدُ المُحافَظةَ على العِباداتِ، وتَركَ المُنكَراتِ، غَفَرَ اللهُ له ذَنبَه، أو غَفَرَ اللهُ ذُنوبَه الصَّغائِرَ والكَبائِرَ، التي بَينَه وبَينَ اللهِ تعالَى، إنْ شاءَ، وأمَّا حُقوقُ العِبادِ فيُمكِنُ أنْ يُرضيَهمُ اللهُ تعالَى مِن فَضلِه.فلَمَّا سَمِعَ مُعاذٌ رَضيَ اللهُ عنه هذا الحَديثَ طَلَبَ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُبَلِّغَه لِلنَّاسِ؛ حتى يَستَبشِروا بمَغفِرةِ اللهِ ورِضوانِه على عِبادِه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "دَعْهم يَعمَلوا"، فنَهاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّهم لو سَمِعوا هذه البِشارةَ لاعتَمَدوا عليها وتَرَكوا الاجتِهادَ في العِبادةِ، ولكِنِ اترُكْهم يَجتَهِدوا في زيادةِ العِبادةِ مِنَ السُّنَنِ والنَّوافِلِ، ولا يَتَّكِلوا على الشَّهادةِ والفَرائِضِ، ولا يَتَّكِلُوا على هذا الإجمالِ، ولا يَرتَكِبُوا مِن قَبائِحِ الأفعالِ ما يَضُرُّهم. وقيلَ: تَخصيصُ الصَّلاةِ والصَّومِ إمَّا لِأنَّه لم يُفرَضْ حينَئِذٍ سِواهما مِنَ الزَّكاةِ والحَجِّ، أو لِأنَّهما عُمدةُ العِباداتِ، أو لِأنَّ سُنَّةَ اللهِ جَرَتْ بالمَغفِرةِ لِمَن أتى بهما، وإنْ أذنَبَ وتَرَكَ الفَرائِضَ الأُخرى، وهي بَعْدُ في مَشيئةِ اللهِ، يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ، ويَغفِرُ لِمَن يَشاءُ.وإنَّما حَدَّثَ مُعاذٌ بالحَديثِ مع نَهيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له؛ لِأنَّ مُعاذًا رَضيَ اللهُ عنه عَلِمَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهاه عنِ الإخبارِ بهذا الحَديثِ لِأجْلِ ألَّا يَعتَمِدَ بَعضُ الناسِ عليه، ويَترُكوا العَمَلَ، وهذا يَكونُ في بَدءِ الإسلامِ، أمَّا إذا صارَ الرَّجُلُ صاحِبَ ذَوقٍ مِنَ الإسلامِ، وغَلَبَ على قَلبِه حَقيقةُ الإيمانِ، وعَلِمَ أنَّ عِبادةَ اللهِ تعالَى تَزيدُه مِنَ اللهِ تعالَى قُربًا، فكيف يَترُكُ مِثلُ هذا الرَّجُلِ العِبادةَ بمِثلِ ذلك الحَديثِ؟! فإذَنْ عَلِمَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ أنَّ الإسلامَ قَوِيَ، وأنَّ حِرْصَ الصَّحابةِ على العِبادةِ أصبحَ أشَدَّ، فحينَئِذٍ أخبَرَهم. وقيلَ: لم يُحَدِّثْ مُعاذٌ بهذا الحَديثِ أحَدًا إلَّا قَبلَ مَوتِه؛ مَخافةَ الوُقوعِ في إثْمِ كِتمانِ العِلْمِ.