الموسوعة الحديثية


- حَريمُ البِئرِ أربعون ذِراعًا مِن حَوالَيْها كُلِّها، لِأعطانِ الإبِلِ والغَنَمِ، وابنُ السَّبيلِ أوَّلُ شارِبٍ، ولا يُمنَعُ فَضلُ ماءٍ ليُمنَعَ به الكَلَأُ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 10411 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2353)، ومسلم (1566)، وأبو داود (3473)، والترمذي (1272)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5774)، وابن ماجه (2478) مختصراً، وأحمد (10411) واللفظ له
حَرَصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بَيانِ كُلِّ ما يُؤَدِّي إلى عَدَمِ التَّنازُعِ والخِصامِ، أو أخْذِ الحَقِّ مِمَّن هو له، ومِن ذلك بَيانُه كَيفيَّةَ التَّعامُلِ بيْن النَّاسِ فيما يَقَعُ بيْنهم مِنَ اختِلافٍ فيما يُسمَّى حَريمَ البِئرِ.وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ حَريمَ البِئرِ، ويُقصَدُ به المِساحةُ التي يَستَحِقُّها صاحِبُ البِئرِ الذي حَفَرَها في أرضٍ مَواتٍ وليست في مِلْكِ أحَدٍ، ويَحرُمُ على غَيرِه الانتِفاعُ بها، كما في رِوايةِ ابنِ ماجَهْ مِن حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "مَن حَفَرَ بِئرًا فلَه أربَعونَ ذِراعًا عَطَنًا لِماشِيَتِه"، أي: فلَه مِن كُلِّ طَرَفٍ مِن أطرافِ البئرِ أربَعونَ ذِراعًا، والذِّراعُ 69 سم تَقريبًا، يُلقي فيها تُرابَها، ويَسقي فيها حَيَواناتِه، كالأبِلِ والغَنَمِ، والأعطانُ جَمعُ عَطَنٍ، والعَطَنُ: هو المَوضِعُ الذي يُناخُ فيه عِندَ وُرودِ الماءِ فقطْ، والمَبرَكُ أعَمُّ؛ لِأنَّه المَوضِعُ المُتَّخَذُ له في كُلِّ حالٍ.ثمَّ استَثنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ابنَ السَّبيلِ، فجَعَلَه أحَقَّ بذلك الماءِ، وأنَّه أوَّلُ شارِبٍ، فلا يُقَدَّمُ عليه غَيرُه، وابنُ السَّبيلِ هو المُسافِرُ المُجتازُ في بَلَدٍ ليس معه شَيءٌ يَستَعينُ به على سَفَرِه، وسُمِّيَ ابنَ السَّبيلِ نِسبةً إلى السَّبيلِ، وهي الطَّريقُ؛ لِأنَّ استِدامةَ السَّفَرِ تَجعَلُ الطَّريقَ مِثلَ الأُمِّ؛ لِمُلازَمَتِه لها.ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ولا يُمنَعُ فَضلُ ماءٍ لِيُمنَعَ به الكَلأُ" وهو: نَباتُ الأرضِ؛ رَطْبًا كان أو يابِسًا، وصُورتُه أنْ يَكونَ لِأحَدِهم بِئرٌ، وفَضَلَ بها مِنَ الماءِ ما زادَ عَلى حاجَتِه في سَقْيِ زُروعِه، وحَولَها مِنَ النَّباتِ الذي ليس مِلْكًا لِأحَدٍ، بل مُباحٌ لِلجَميعِ، ويَحتاجُ إلى السُّقيا، وليس هناك ماءٌ غَيرُ هذه البِئرِ؛ فليس له مَنعُ زِيادةِ ماءِ بِئرِه عن هذا الكَلأِ، بل يَبذُلُ هذه الزِّيادةَ لِيَنمُوَ الكَلأُ، فتَرعى فيه الأنعامُ كُلُّها، له ولِغَيرِه، فإذا رَعَتِ الأنعامُ في هذا العُشبِ فإنَّها تَحتاجُ إلى الشُّربِ بَعدَ الرَّعْيِ، فليس له أنْ يَمنَعَها مِنَ الشُّربِ مِن زِيادةِ مائِها؛ لِأنَّه إذا مَنَعَها مِنَ الشُّربِ كأنَّه يَمنَعُها مِنَ الرَّعْيِ في هذا المَكانِ، وكذلك ليس له بَيعُ زِيادةِ مائِها؛ لِأنَّه لو باعَ لَهمُ الماءَ الضَّروريَّ لِرَعيِهم فكأنَّه باعَ لهمُ العُشبَ والكَلأ الذي لا يَملِكُه، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ: "لا يُباعُ فَضلُ الماءِ..."، فلا يُمنَعُ ما زادَ مِن ماءِ السُّقيا أنْ يَأخُذَ منه مَن ليس له ماءٌ؛ وذلك مِن أجْلِ بَيْعِه، وهذا كُلُّه مِن بابِ المُحافَظةِ على الحُقوقِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وتَوضيحِ الحَدِّ الفاصِلِ بيْن حُرمةِ التَّعدِّي على مِلْكِ الآبارِ، وبيْن مَنعِ الناسِ مِنَ الانتِفاعِ بما فاضَ مِن مائِها، فمَنعُ الكَلأِ سَبَبٌ في ضَعفِ الماشيةِ؛ إذْ ليس كُلُّ أحَدٍ يَقدِرُ على العَلَفِ، فإذا مَنَعَ رَعْيَ ماشيتِه في الكَلَأِ، هَزُلَتْ، فيَنشَأُ عن ذلك قِلَّةُ اللَّبَنِ، أو فَقْدُه، وقِلَّةُ اللَّحمِ، فيَكونَ ذلك سَبَبًا في الجُوعِ والمَشَقَّةِ على الناسِ.وفي الحَديثِ: الحَثُّ على التَّكافُلِ بيْن الناسِ، وأنْ يَتَفضَّلَ المُوسِرونَ بما زادَ على حَوائجِهم ولا يَضُرُّ بِهِم.