الموسوعة الحديثية


- الحسدُ يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النَّارُ الحطبَ والصَّدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ والصَّلاةُ نورُ المؤمنِ والصِّيامُ جُنَّةٌ من النَّارِ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن عساكر | المصدر : معجم الشيوخ | الصفحة أو الرقم : 2/1096 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب | التخريج : أخرجه ابن ماجة (4210 )،وأبو يعلى (3656)، وابن عدى في ((الكامل)) (6/433)، والقضاعي في ((الشهاب)) (1049)
لقد أُوتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَوامِعَ الكَلِمِ؛ فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجمَعُ المَواعِظَ البالِغةَ في الجُمَلِ الصَّغيرةِ، ويَقولُ الحِكَمَ البَليغةَ في أقَلِّ الكَلِمِ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الحَسَدَ -وهو أنْ يَرَى أحَدُ الأشخاصِ النِّعمةَ عِندَ غَيرِه فيَتَمَنَّاها لِنَفْسِه، ويَتَمَنَّى زَوالَها عن صاحِبِها، وهذا عَمَلٌ نَفْسِيٌّ- يَأكُلُ الحَسَناتِ، فيَنقُصُ منها، ويَمحو أثَرَها، كحَرقِ النارِ لِلحَطَبِ، وهو الخَشَبُ اليابِسُ، الذي يُستَخدَمُ وَقودًا في الإشعالِ، فوَجهُ الشَّبَهِ هو: كما أنَّ النارَ وتَأكُلُ في الخَشَبِ وتَنقُصُه، وتُحرِقُ فيه وتَمحو أثَرَ ما أحرَقَتْه، كذلك يَفعَلُ الحَسَدُ مع حَسَناتِ الحاسِدِ، كما أنَّه خُلُقٌ مَذمومٌ يُفضي بصاحِبِه إلى كَراهيةِ مَن حَولَه، وقد يَنشَأُ مِنَ الحَسَدِ إفسادُ الطاعاتِ، وفِعلُ المَعاصي مِنَ الشُّرورِ، والهَمُّ بلا فائِدةٍ.ثمَّ إنَّ الحَسَدَ فيه اعتِراضٌ على قَضاءِ اللهِ وقَدَرِه؛ لِأنَّ الحاسِدَ لم يَرضَ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، يَعني: لم يَرضَ أنَّ اللهَ أعْطى هذا الرَّجُلَ مالًا، أو أعطاهُ أهلًا، أو أعطاهُ عِلْمًا، أو غيرَ ذلك، ففيه اعتِراضٌ على قَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وهو أيضًا جَمرةٌ في القَلبِ -والعِياذُ باللهِ- كُلَّما أنعَمَ اللهُ على عَبدِه نِعمةً، احتَرَقَ قَلبُ الحاسِدِ كَمَدًا وغَيظًا، فهو في نَكَدٍ وقَلَقٍ دائِمينِ.ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأعمالٍ أُخرى صالِحةٍ تَنفَعُ العَبدَ في الدُّنيا والآخِرةِ، ومنها أنَّ إخراجَ الصَّدَقاتِ وبَذلَها لِمَن يَستَحِقُّها يَمحو الذُّنوبَ والخَطايا، ويَقضي عليها كما يَقضي الماءُ على النَّارِ ويُطفِئُها ويُزيلُها. "والصَّلاةُ نُورُ المُؤمِنِ"، أيْ: يَهتَدي بها إلى الطَّريقِ يَومَ القِيامةِ، كما يَهتَدي بالنُّورِ في الدُّنيا. "والصِّيامُ جُنَّةٌ مِنَ النارِ" فهو وِقايةٌ وسُترةٌ مِنَ الوُقوعِ في المُنكَراتِ في الدُّنيا؛ لِأنَّه يَكسِرُ الشَّهوةَ ويُضعِفُها؛ ولذلك فإنَّ الصائِمَ يَنبَغي عليه أنْ يَصونَ نَفْسَه وصيامَه مِمَّا يُفسِدُه ويَنقُصُ ثَوابَه، مِن كُلِّ المَعاصي، وهذا الصِّيامُ أيضًا حِصنٌ حَصينٌ مِنَ النارِ؛ فهو يَحفَظُ صاحِبَه مِن دُخولِ النارِ؛ لِأنَّه إمساكٌ عنِ الشَّهَواتِ، والنارُ مَحفوفةٌ بالشَّهَواتِ.وبهذا جَمَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن النَّصيحةِ التي تُصلِحُ نَفْسَ العَبدِ في الدُّنيا، وما فيه نَفعُه في الآخِرةِ.وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ والتَّرهيبُ مِنَ الحَسَدِ.وفيه: بَيانُ فَضلِ الصَّلاةِ والصَّدَقةِ والصِّيامِ.