الموسوعة الحديثية


- قال: أتى عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو ابنَ الزُّبَيرِ، وهو جالسٌ في الحِجرِ، فقال: يا ابنَ الزُّبَيرِ، إيَّاكَ والإلحادَ في حَرمِ اللهِ؛ فإنِّي أشهَدُ لَسمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: يُحِلُّها ويَحُلُّ به رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ، لو وُزِنَتْ ذُنوبُه بذُنوبِ الثَّقلَينِ لَوزَنَتْها، قال: فانظُرْ أنْ لا تكونَ هو يا ابنَ عَمرٍو؛ فإنَّكَ قد قرَأْتَ الكُتبَ، وصحِبْتَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: فإنِّي أُشهِدُكَ أنَّ هذا وَجهي إلى الشَّأمِ مُجاهِدًا.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 7043 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات رجال الشيخين | التخريج : أخرجه أحمد (7043) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (28/220) مختصراً
وَقَعتِ بعضُ الفِتَنِ بَعدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واستَحَرَّ القِتالُ بَينَ بَعضِ الصَّحابةِ، حتى كان عَصرُ بَني أُمَيَّةَ، وبَعدَ مَوتِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما استُخلِفَ ابنُه يَزيدُ على الشامِ، واستُخلِفَ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما على الحِجازِ، حتى وَقَعَ بَينَهما القِتالُ. وفي هذا الحَديثِ يقولُ التابِعيُّ سَعيدُ بنُ عُمَرَ: "أتى عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو" وهو ابنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما "ابنَ الزُّبَيرِ" وهو عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ، وذلك عِندَما كان ابنُ الزُّبَيرِ مُتغَلِّبًا على الحِجازِ والعِراقِ، ويَحكُمُ فيهما "وهو جالِسٌ في الحِجرِ" بجِوارِ الكَعبةِ المُشَرَّفةِ، "قال: يا ابنَ الزُّبَيرِ، إيَّاكَ والإلحادَ في حَرَمِ اللهِ" والمَقصودُ به استِحلالُ الظُّلمِ والعِصيانِ وفِعلِ الكَبائِرِ، والإلحادُ هو المَيلُ عنِ الصَّوابِ، والمَعصيةُ في الحَرَمِ تَزيدُ على المَعصيةِ في غَيرِه، كما قال تَعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، فأعَدَّ أليمَ العَذابِ لِمَن ألحَدَ في الحَرَمِ زائِدًا على عَذابِه لو ألحَدَ في غَيرِ الحَرَمِ، وقيلَ: كُلُّ ظالِمٍ فيه مُلحِدٌ؛ "فإنِّي أشهَدُ لَسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: يُحِلُّها ويَحُلُّ به رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ" يعني: يَستَحِلُّ الكَعبةَ فيَهدِمُها أو يُلحِقُ بها الضَّرَرَ ويُفسِدُ عِندَها، فيَحُلُّ به عِقابُ اللهِ، وهذا الرَّجُلُ الذي استَحَلَّها "لو وُزِنتْ ذُنُوبُه بذُنوبِ الثَّقَليْنِ" مِنَ الإنسِ والجِنِّ "لَوَزنَتْها" وكانت ذُنوبُه أثقَلَ وأكثَرَ مِن ذُنوبِ الثَّقَليْنِ، فلَمَّا سَمِعَ ابنُ الزُّبَيرِ ذلك قال لابنِ عَمرٍو مُحَذِّرًا: "فانظُرْ ألَّا تَكونَ هو يا ابنَ عَمرٍو؛ فإنَّكَ قد قَرأتَ الكُتُبَ" ولَعَلَّه يَقصِدُ ما كان ابنُ عَمرٍو اطَّلَعَ عليه مِن كُتُبِ أهلِ الكِتابِ "وصَحِبتَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" فكانت صُحبَتُكَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيرًا مِنَ اطِّلاعِكَ على كُتُبِ غَيرِ المُسلِمينَ، ولَعَلَّه يُعرِّضُ بأنَّ ذلك يَكونُ إلحادًا وظُلمًا وَقَعَ مِن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ في حَرَمِ اللهِ، "قال عَبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ: فإنِّي أُشهِدُكَ أنَّ هذا وَجهي إلى الشامِ مُجاهِدًا" فأتوَجَّهُ إلى الشَّامِ، حيثُ الثُّغورُ مع الرُّومِ؛ لِيَخرُجَ مِنَ الحَرَمِ؛ حتى لا يَقَعَ منه ما حَذَّرَ منه ابنَ الزُّبَيرِ، ويُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ ضِدَّ أعداءِ الإسلامِ. وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ وقَع ما أخبَر به مِن أخبارِ المستقبَلِ. وفيه: النُّصحُ والإرشادُ لِوليِّ الأمْرِ. وفيه: النَّهيُ والتَّغليظُ في أمْرِ الظُّلمِ بكُلِّ أنواعِه في البَيتِ الحَرامِ.