الموسوعة الحديثية


- كنَّا إذا جَلَسْنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّلاةِ قُلْنا: السَّلامُ على اللهِ قبلَ عِبادِه، السَّلامُ على جِبريلَ، السَّلامُ على ميكائيلِ، السَّلامُ على فُلانٍ، السَّلامُ على فُلانٍ، قال: فسَمِعَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: إنَّ اللهَ هو السَّلامُ، فإذا جَلَسَ أحدُكم في الصَّلاةِ، فليَقُلِ: التَّحيَّاتُ للهِ، والصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ، السَّلامُ عليك أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ -فإذا قالها أصابَتْ كلَّ عبدٍ صالحٍ في السَّماءِ والأرضِ- أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، ثُمَّ يَتخَيَّرُ بعدُ مِن الدُّعاءِ ما شاء.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 4064 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين | التخريج : أخرجه البخاري (831)، ومسلم (402) باختلاف يسير
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وقد عَلَّمَنا النَّبيُّ الكَريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَيفيَّتَها وما يُقالُ فيها مِن أدعيةٍ، وكيفَ ومتى تُقالُ، ومِن ذلك التَّشهُّدُ بَعدَ الرَّكعتَيْنِ أوِ التَّشهُّدُ الأخيرُ مِن كُلِّ صَلاةٍ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: "كُنَّا إذا جَلَسْنا" لِلتَّشهُّدِ "مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّلاةِ قُلْنا: السَّلامُ على اللهِ قَبْلَ عِبادِه، السَّلامُ على جِبريلَ، السَّلامُ على مِيكائيلَ، السَّلامُ على فُلانٍ، السَّلامُ على فُلانٍ" فيَذكُرونَ بَعضَ أسماءِ المَلائِكةِ، "فسَمِعَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" سَمِعَ ما يَقولونَ في تَشهُّدِهم في الصَّلاةِ، فقال: "إنَّ اللهَ هو السَّلامُ" هو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ، ومعناه: الذي سَلِمَ مِن كُلِّ عَيبٍ ونَقصٍ، وسِماتِ الحُدوثِ، ومِنَ الشَّريكِ والنِّدِّ، وقيلَ: المُسلِّمُ أولياءَه، وقيلَ: المُسلِّمُ عليهم، ولَمَّا كان السَّلامُ مِن أسماءِ اللهِ لم يَجُزْ أنْ يُقالَ: السَّلامُ على اللهِ، وجازَ أنْ يُقالَ: السَّلامُ عليكم؛ لِأنَّ مَعناه: اللهُ عليكم، ثم عَلَّمَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَقولونَه في التَّشهُّدِ، فقال: "فإذا جَلَسَ أحَدُكم في الصَّلاةِ" لِلتَّشهُّدِ "فليَقُلِ: التَّحيَّاتُ للهِ" وهي جَمعُ تَحيَّةٍ، ومَعناها: السَّلامُ، وقيلَ: البَقاءُ، وقيلَ: العَظَمةُ، وقيلَ: السَّلامةُ مِنَ الآفاتِ والنَّقصِ، وقيلَ: المُلكُ. وقيلَ: المُرادُ بالتَّحيَّاتِ أنواعُ التَّعظيمِ. "والصَّلَواتُ" والمُرادُ بها الصلواتُ الخَمسُ المَفروضةُ، وقيلَ: المرادُ أعَمُّ مِن ذلك، وقيلَ: هي العِباداتُ كُلُّها، وقيلَ: الدَّعَواتُ، وقيلَ: الرَّحمةُ، "والطَّيِّباتُ" قيلَ: هي ما طابَ مِنَ الكَلامِ، وقيلَ: ذِكْرُ اللهِ خاصَّةً، وقيلَ: الأعمالُ الصَّالِحةُ عامَّةً، وقيلَ: التَّحيَّاتُ: هي العِباداتُ القَوليَّةُ، والصَّلَواتُ: هي العِباداتُ الفِعليَّةُ، والطَّيِّباتُ: العِباداتُ الماليَّةُ . وقَولُه: "السَّلامُ عليكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ" السَّلامُ إمَّا أنَّه يَعني أنَّ السَّلامَ الذي وُجِّهَ إلى الرُّسِلِ والأنبياءِ يَقَعُ عليكَ أيضًا أيُّها النَّبيُّ، أو أنَّه السَّلامُ المَعروفُ لِكُلِّ أحَدٍ، وهو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تَعالى، ومَعناه التَّعويذُ باللهِ والتَّحصينُ به، أو هو السَّلامةُ مِن كُلِّ عَيبٍ وآفَةٍ، ونَقصٍ وفَسادٍ، فعَلَّمَهم أنْ يُفرِدوه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ بالذِّكرِ؛ لِشَرَفِه ومَزيدِ حَقِّه عليهم، ثم عَلَّمَهم أنْ يَخُصُّوا أنفُسَهم؛ لِأنَّ الاهتِمامَ بها أهَمُّ، ثم أمَرَهم بتَعميمِ السَّلامِ على الصَّالِحينَ؛ إعلامًا منه بأنَّ الدُّعاءَ لِلمُؤمِنينَ يَنبَغي أنْ يَكونَ شامِلًا لهم، والصَّالِحونَ: هم القائِمونَ بما يَجِبُ عليهم مِن حُقوقِ اللهِ تعالَى، وحُقوقِ عِبادِه، ورَحمةُ اللهِ: صِفةٌ تليقُ بكَمالِه وجلالِه سُبحانَه وتَقتضي إحسانَه، والبَرَكاتُ هي الزِّيادةُ مِن كُلِّ خَيرٍ. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فإذا قالَها"، أي: إذا قال تلك الصِّيغةَ التي قَدَّمَها في الحَديثِ، "أصابَتْ كُلَّ عَبدٍ صالِحٍ في السَّماءِ والأرضِ"؛ فإنَّكم إذا قُلتُم: السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ، انتَفَعَ بهذا السَّلامِ كُلُّ عَبدٍ صالِحٍ في الأرضِ أوِ السَّماءِ؛ فتَشمَلُ المَلائِكةَ والجِنَّ والإنسَ، وهذا إشارةٌ إلى أنَّها تُقالُ بَدَلًا مِنَ التي كان يَقولُها الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم، ثم أتَمَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّشهُّدَ بقَولِه: "أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ" وفي رِوايةِ ابنِ عُمَرَ عِندَ أبي داودَ بزِيادةِ: "وَحدَه لا شَريكَ له" فهذه هي الشَّهادةُ للهِ سُبحانَه بالتَّوحيدِ، وأنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا هو سُبحانَه، وقَولُه: "وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه"، شَهادةٌ وإقرارٌ مِنَ المُسلِمِ لِلنَّبيِّ بالرِّسالةِ في كُلِّ صَلاةٍ. "ثم يَتخَيَّرُ بَعدُ مِنَ الدُّعاءِ ما شاءَ"، أي: يَتخَيَّرُ المُصَلِّي ما شاءَ مِنَ الأذكارِ والأدعيةِ، وله أنْ يَدعُوَ ويَسألَ في الصَّلاةِ ما أحَبَّ مِن أمرِ الدِّينِ والدُّنيا مِمَّا لا إثْمَ فيه. ويَنبَغي لِلمُصلِّي بَعدَ أنْ يَفرُغَ مِنَ التَّشهُّدِ أنْ يُصلِّيَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم يَدعوَ بما أحَبَّ، ويَتحَرَّى مِنَ الأدعيةِ ما وَرَدَ في السُّنَّةِ، وأنْ يَتعوَّذَ باللهِ مِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ، ومِن فِتنةِ عَذابِ القَبرِ، ومِن فِتنةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ. وفي الحَديثِ: بَيانُ حِرصِ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم على تَعليمِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَن بَعدَهم. وفيه: بَيانُ أنَّ ما يَصِحُّ في حَقِّ العِبادِ مِنَ التَّحيَّةِ لا يَصِحُّ في حَقِّ اللهِ، بل له سُبحانَه الإجلالُ والتَّعظيمُ بما يَليقُ بجَلالِه وعَظَمَتِه.